دلالات استعراض القوى والحشد الجماهيري بين حليفي انقلاب صنعاء

27 أغسطس 2017
دلالات استعراض القوى والحشد الجماهيري بين حليفي انقلاب صنعاء
محمود الطاهر
محمود الطاهر

بقلم - محمود الطاهر

في 24 من أغسطس (ذكرى تأسيس حزب “المؤتمر الشعبي العام”)، خرج غالبية اليمنيين من مختلف أطيافهم إلى ساحة ميدان السبعين، وهو إحدى المناطق الواسعة في قلب العاصمة اليمنية صنعاء، بدعوة من رئيس الحزب للخروج لاستعراض شعبيته ومدى قوته ليرسل رسائل سياسية، الأولى لحلف الحوثي الذي عاث في المناطق التي يسيطر عليها فسادًا والثانية للتحالف العربي والثالثة للمجتمع الدولي.

وقبل قراءة تلك الرسائل وأسبابها أو الغوص في محاور هذه المادة، لا بد من استعراض التوتر الذي نشب بين حليفي صنعاء بسبب دعوة صالح أنصاره إلى الخروج بتظاهرة تجوب ميدان السبعين.

بدأ حزب صالح الاستعداد لإحياء الذكرى الـ35 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام قبل شهر تقريبًا من المناسبة، إلا أن الحوثيين دعوا إلى عدم إقامتها لأن ذلك بحسب بياناتهم المتعددة شق للصف، إلا أن نشطاء حزب المؤتمر ردوا عليهم بانتقادات واسعة وبدأوا بفتح ملفات فساد “لجان الحوثي الشعبية” التي ترفض حتى الآن العمل باتفاقية المكونين المتحالفين وبقرار المجلس السياسي المنبثق من اتفاقية المؤتمر والحوثيين.

محمد علي الحوثي عبر صفحته في فيسبوك دعا إلى الاحتشاد في ساحات الاعتصام ومداخل العاصمة اليمنية صنعاء بغرض عرقلة احتفالية المؤتمر الشعبي العام، وأعقبها بثت قناة “المسيرة” التابعة لهم، كلمة لزعيم الحركة الشيعية في البلاد، هاجم فيها علي عبد الله صالح والمؤتمر الشعبي العام واتهمهما بطعنه من الظهر، متوعدًا بمحاسبتهم.

رد علي عبد الله صالح بكلمة هجومية شديدة ووصفهم بالمليشيات، وقال إن المليشيات الحوثية لم تلتزم بالاتفاقية السياسية التي وقعت أواخر أغسطس 2016 بين شريكي الحكم في صنعاء، مهددًا بالانسحاب من التحالف مع الحوثي إذا استمر الأخير في الانفراد بحكم البلاد، أو استمرت مليشيات اللجان الشعبية بدور المشرف على الحكومة المنبثقة من اتفاقية المجلس السياسي الأعلى بين صالح والحوثيين.

وبدوره كشف الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي عارف الزوكا، في كلمة أمام أنصار الحزب، الأحد 20 من أغسطس، أسباب الأزمة التي اندلعت بين الحزب والحوثيين، وذكر منها نهب الحوثيين 4 مليارات دولار من خزينة الدولة إلى جانب استمرار سيطرة اللجنة الثورية التابعة للحوثيين على الميدان وعلى كل صغيرة وكبيرة، ومنعها الوزراء المحسوبين على الحزب من دخول الوزارات “في حكومة الحوثي ـ صالح غير المعترف بها دوليًا”.

وحينما بدا لليمنيين أن علي عبد الله صالح سيخرج متحديًا الحوثيين، وهو تطور لما تشهده الساحة، كان الجميع ينتظر اندلاع اشتباكات كبيرة بين الحلفين، وقبل بدء الفعالية بـ24 ساعة سيطرت قوات من الحرس الجمهوري اليمني الموالي لصالح على غالبية مداخل العاصمة اليمنية صنعاء، وطردت حوثيين من نقاط سيطروا عليها لمنع أنصار صالح من التوافد إلى ميدان السبعين.

هذا التحرك السريع من قبل الحرس الجمهوري واحتقان الشارع اليمني منه، أجبر زعيم الحوثين عبد الملك ورئيس لجانه الشعبية محمد على تخفيف لهجتهم ضد صالح وحزبه، ودعيا إلى إنجاح فعالية المؤتمر، مع تمسكهم بإجراء استعراض عسكري بعد انتهاء فعالية حليفهم.

إذًا نجح صالح في إذلال الحوثيين جماهيريًا، ونجح حزبه فى إثبات وجوده بقوة، وأثبت أنه يصارع من الداخل أيديولوجية منظمة تسعى لتشييع اليمن والسيطرة عليه بالكامل، فعمل الحوثيون خلال سيطرتهم على أجزاء واسعة في اليمن بقمع الحريات ونهب المال العام وتشييع الشعب عبر وسائل الإعلام وتغيير المناهج الدراسية وفقًا لإملاءات إيرانية، إضافة إلى أنهم يرفضون الالتزام ببنود اتفاق الشركة بينهم وبين حليفهم صالح، وأهم من كل ذلك استمرارهم في التنكيل باليمنيين، وتلك أهم العوامل التي جعلتهم اليوم منبوذين من مختلف أطياف المجتمع اليمني، وإن اندلعت اشتباكات بينهم وبين حليفهم صالح لكان الأمر مختلفًا.

لماذا رفض الحوثيون احتفالية صالح؟

الخلاف الأخير يثبت صحة الرواية التي تقول إن اتفاق الحوثي وصالح ما هو إلا اتفاق الضرورة وهشًا، وهو شهر عسل مؤقت ينتهي حالما تعلن دول التحالف انتهاء حملتها على اليمن، نتيجة لأن كل طرف يتشكك في دوافع الطرف الآخر ولا يربط الطرفين أساس فكري مشترك.

لدى الحوثيين هاجس أن علي عبد الله صالح متفق مع الإمارات العربية المتحدة، لتسليمهم صنعاء مقابل تسليم أحمد علي عبد الله صالح حكم اليمن، إضافة إلى تخوفهم من أن تلك الحشود ستخرج إلى الميادين وتعلن الاعتصامات وترفض العودة بعد تسلم رواتبها أو لممارسة ضغط على الحوثيين لتعديل سلوكهم العدائي ضد الشعب، وهو ما قد يربكهم أمنيًا.

إضافة إلى ذلك، فالحوثيون يخشون أن يفوق العدد الذي سيخرج في احتفالية حزب صالح الأعداد التي تخرج معهم، وهو ما يعني أن صالح ما زال قويًا والعالم ربما يتجه إليه للتحالف معه من أجل القضاء على يد إيران في اليمن، ويظل ذلك هاجسًا مقلقًا للحوثيين، وربما يكون أحد أسباب اندلاع مواجهة عسكرية بين الحليفين في أي من الاحتفالات القادمة.

لمن ترجح الكفة؟

أظهرت الفعالية الأخيرة لحزب صالح وما سبقها من تحد سواء بالسيطرة العسكرية السريعة لمواقع حوثية، أو من خلال الملاسنات عبر وسائل إعلام الحليفين المختلفة، أن صالح أقوى بكثير من الحوثية وقادر على القضاء على الحوثيين في غضون أسبوع واحد، وما يؤكد ذلك السيطرة الميدانية في العاصمة صنعاء ومداخلها ومحيطها وجبالها في غضون ساعات، بعد إعلان زعيم لجان الحوثي الشعبية نيته إغلاق مداخل صنعاء ومنع أنصار صالح من دخول العاصمة.

يدرك صالح جيدًا أنه أمام جماعة لا أمان لها ويعرف أدق التفاصيل عنهم، وربما دس جماعة من أنصاره في عقر دار الجماعة ليعرف كل أخبارهم وتحركاتهم، وهذا يدل على أن الرجل يدرك انهيار تحالف الضرورة القائم بينهما في أي لحظة.

ومع تمادي الحوثيين المتواصل بحق الشعب اليمني ونهبهم للمال العام والتعالي على قيادات الجيش، رغم أن أكبر مشرف في اللجان الشعبية ليس لديه شهادة الإعدادية، إضافة إلى محاولتهم بالقوة تشييع الجمهورية، جعلت شعبها من مختلف أطيافه السياسية في وضع استعداد تام وانتظار لساعة الصفر لطرد الحوثيين من صنعاء، سواء من صالح أو من أي جهة أخرى، ولهذا نقول لو اندلعت الحرب بين صالح والحوثيين ستكون الكفة لصالح وللشعب اليمني.

رسائل صالح

رغم أن المظاهرات التي خرجت يوم الخميس 24 من أغسطس لم تقتصر على أنصار حزب المؤتمر الشعبي العام، فإنها تشكل دعمًا للنهج الوسطي المعتدل لحزب المؤتمر ولأدائه السياسي في مقابل الأداء المتواضع والخبرة السياسية المحدودة لحلفائه الحوثيين.

حاول صالح من خلال هذه التظاهرة الهائلة تقديم نفسه بوصفه الشريك القوي والأفضل من الحوثيين سواء في صناعة السلام ومعالجة آثار الحرب، أو لتعزيز مشاركته في المواجهة العسكرية مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمدعومة من قبل التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وقد نجح في إرسال رسائله.

وفي بيان يظهر مدى الخلاف القائم بين المؤتمر الشعبي العام والحوثيين، وأن الفريقين يؤجلان فض الشراكة إلى حين آخر، يتجلى ذلك في البيان الختامي لفعالية الحزب، والذي رفض فيه سيطرة اللجان والمشرفين والمكتب التنفيذي، وهي أهم أذرع الكيان السلطوي الموازي للحوثية، وتركيزه على الالتزام بالقانون الحاكم للمؤسسات وضبط المالية العامة وتوريد المال العام الى حسابات البنك المركزي حتى تتمكن حكومة “صالح والحوثي” من صرف المرتبات في مناطق سيطرتهم.

البيان أيضًا رفض أي تعديل للمنهج الدراسي، وهي تعديلات طائفية تهدد المنهج التعليمي وتحوله إلى طائفي خادم لأيديولوجية حوثية، ومنهج يغير ثقافة الأجيال القادمة لتنمية منهج الخمينية ومشروع الولاية، وهذا الأمر من أخطر السياسات التدميرية للحوثية.

البيان اعتبر أن استمرار الحوثيين في الانفراد بالسلطة أو السعي لتغيير المناهج الدراسية أو نهب المال العام قد يجعل المؤتمر يعيد النظر في تحالفه مع الحوثيين، وهذا يشير إلى مدى ما يعانيه الحزب من تصرفات الحوثيين، ولو لم تكن الحرب قائمة لكان الوضع مختلفًا.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق