بعد إسقاطهم صنعاء عاصمة الجمهورية، راحت قطعان الزملاء تتدفق على بقية المدن اليمنية بغية إخضاع كامل الأرض اليمنية لضلال السلالة القديم الجديد.
الجيش الذي كان يزأر في الاستعراضات العسكرية ويخوف المواطنين، بدا أنه في معظمه يدُ للحوثيين، ووقف اليمني أعزلًا أمام الإمام الجديد، ولبس جيشه أسمال العكفة، ما من سبيل سوى الفداء أو الاستسلام.
كانت تعز في مشوف دراكولا الكهف، المدينة التي أشعلت الثورة على حلف عفاش/ الحوثي وأسقطت مخطط التوريث، قال فتية في المدينة: بل الفداء، معلمون وأطباء، مهندسون وكتبة، بناؤون وطلبة، جميعهم تركوا مواقعهم وتوجهوا للميدان.
لا مال ولا سلاح، لا دولة ولا جيش، فالمال والسلاح والجيش والدولة كانت جميعها في مواجهة تعز، لكن الأخيرة وهي الأولى كان لها رجال وعزائم، تنادوا ونظموا أنفسهم، دافعوا وقاتلوا وقتل منهم كثير وجرح أكثر، وبقي الكثير الذين رتبوا صفوفهم وأعادوا بناء أنوية جيش الوطن الجديد.
هؤلاء أبطال تعز الحقيقيون والاستثنائيون، وقد كانوا على الدوام مشاريع شهادة كما رفاقهم الذين دفعوا أرواحهم في سبيل الله والوطن وكي لا يكسر شرف هذه المدينة أو تحنى هامتها.
حتى الآن، استطاعت المؤسسة العسكرية والأمنية في تعز أن تنتصر في ثلاث معارك مهمة: معركة تعز مع الحوثي، ومعركتها مع التشكيلات الإرهابية العابثة، ثم أخيرًا إحباط السيطرة على جنوب تعز وخنقها من قبل حلف طارق-أبو العباس- نعمان المدعوم إماراتيًا. تلك معارك مهمة وفاصلة في حرب تعز للتحرير واستعادة الوطن.
ليس وحدها المؤسسة العسكرية والأمنية التي أسسها الأبطال الفادون من يحمي تعز، بل احترام الناس لها وتقديرهم لبطولاتها وتضحياتها ولرجالاتها، هذه الروحية اليقظة التي تحرس الذاكرة وتستلهم الدروس، وبفضلها يقوى الصف ويعسر على العدو الالتفاف متنكرًا بوجوه جديدة.
وحين عجزت هذه القوى عن إخضاع تعز، تتجه بعد كل معركة لاستهداف رموز المؤسسة الأمنية والعسكرية بنشر الشائعات وتلفيق الاتهامات وصبغ عموم المشهد بلون تفاصيل سلبية صغيرة ومحدودة، بهدف الاغتيال المعنوي لهذه الرموز وقتل أسطورتها الملهمة في نفوس الناس سيما الجيل الجديد الذي لم يشهد بداياتها.
هي معركة قذرة في الحرب المستمرة على تعز وباقي المناطق المستعصية على أعداء الوطن، ويتساوق معها الكثيرون بسوء أو حسن نية، ومما توصل إليه أن كل موقف يصلح أن يكون وجهة نظر، الخيانة كما البطولة، التولي والتواطؤ كما الاستبسال والفداء، العدوان كما الدفاع عن النفس والحق، وفي هذا الحال الملتبس يتوغل العدو ويعبث.
إن الإعلام جبهة مهمة في هذه الحرب، ومن يخسر فيها يكن عسيرًا عليه المحافظة على مكاسب جبهات القتال وضبط الأمن، وهذه الشائعات تأخذ مداها في كل مرة، وحتى حين يثبت عدم صحتها فإنها تكون قد تركت أثرها، ثم لا تتحرك المسارات القانونية لتأديب مطلقيها ومشغلي ماكيناتها.
هؤلاء الأبطال لهم قلوب ومشاعر، وهم حين تجردوا لمهمة الدفاع والتضحية لم يدر في خلدهم أن يأتي يومٌ فيه تنهش الغربان لحومهم، ونحن نصفق مبتهجين، أو صامتين كأن شيئًا لا يعنينا. الخذلان مر.