في الوقت الذي يحتفل العالم، باليوم العالمي للاختفاء القسري والذي يصادف 30 من أغسطس, ما يزال المئات من المخفيين قسريا يعانون الآلام. والمعاناة وصنوف التعذيب في سجون المليشيات في العاصمة صنعاء والمحافظات التي تحت سيطرة الانقلابيين، حيث تعد جريمة الاختفاء القسري وفقاً للقوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية جريمة ضد الإنسانية يعاني منها المخفي قسراً من حرمانه من حريته الشخصية ومن الحماية القانونية، وتشمل هذه المعاناة الكئيبة عائلته وأسرته، والمجتمع بشكل عام لأنها تستهدف إسكات وإرعاب المجتمع بصورة عامة.
ترتكب المليشيات هذه الجريمة” الاختفاء القسري” بصورة ممنهجة ومتعمدة ضد المدنيين والسياسيين والناشطين، منذ اليوم الأول للانقلاب ومازالت حتى اليوم تمعن في انتهاكات حقوق الإنسان مرتكبة أبشع أنواع الانتهاكات بحق المدنيين والناشطين والسياسيين والاعلاميين وأصحاب الرأي، في انتهاك للقانون الدولي الانساني وقانون حقوق الإنسان.
يمثل الاختفاء القسري تحدياً لمفهوم حقوق الإنسان بشكل مطلق، فهو يرقى إلى كونه إنكاراً صريحا لحقهم في الوجود أو أن يكون لديهم هوية، ويجرد الإنسان من صفته الإنسانية.
فالشخص الذي يتعرض للاختفاء القسري يصبح محروماً من كافة حقوقه دون أن يدافع عنه أحد على الإطلاق, ويكون في أيدي مرتكبي الجريمة خارج نطاق الحماية القانونية.
وفقا للإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها 133/47 المؤرخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 1992 بوصفه مجموعة مبادئ واجبة التطبيق على جميع الدول، فإن الاختفاء القسري يحدث عند القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون.
كما نص كل من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من يوليو عام 2002م ، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، التي اعتمدتها الجمعية العامة في 20 ديسمبر 2006، على أن ’’الاختفاء القسري‘‘ يوصف بجريمة ضد الإنسانية عندما يُرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين، ولا يخضع بالتالي لقانون التقادم. وفضلا عن ذلك، فإن لأسر الضحايا الحق في طلب التعويض، والمطالبة بمعرفة الحقيقة في ما يتصل باختفاء أحبائهم.
فالاختفاء القسري، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي والسري والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، كلها محظورة بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي.
ويحظر القانون الدولي “الاختفاء” في كل الظروف، إذ تنص “اتفاقية الاختفاء القسري” على أنه “لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري”. وتحظر الاتفاقية الاعتقال السري، وتطالب الدول الأطراف بوضع جميع المعتقلين في معتقلات معلومة رسمياً، والاحتفاظ بسجلات رسمية مفصلة لكل المعتقلين، والسماح للمعتقلين بالاتصال بأسرهم ومحاميهم وتمكين السلطات المختصة من الاتصال بالمعتقلين.
يتأثر الضحايا، الذين كثيراً ما يتعرضون للتعذيب والخوف المستمر على حياتهم، كما يتأثر أفراد أسرهم، الذين يجهلون مصير الضحية، وتتأرجح عواطفهم بين الأمل واليأس، ويدرك الضحايا جيداً أن أسرهم لا تعرف شيئا عن مصيرهم المجهول، وأن فرص حضور من يمد لهم يد المساعدة ضئيلة. وقد أصبحوا في الحقيقية – بعد إقصائهم عن دائرة حماية القانون و “اختفائهم” من المجتمع – محرومين من جميع حقوقهم، وواقعين تحت رحمة آسريهم. وحتى إذا لم يكن الموت هو مآل الضحية، وأخلى سبيله من هذا الكابوس المرعب، فإن الآثار الجسدية والنفسية لهذا الشكل من أشكال التجريد من الصفة الإنسانية، والوحشية والتعذيب اللذين يقترنان به في كثير من الأحيان تظل حاضرة، فالانتظار الذي لا نهاية له لعودة المختفي والغموض المستمر الذي يكتنف مصيره ومكان تواجده يمثل شكلا من أشكال العذاب المتواصل لأقارب الشخص المتعرض لحالة الاختفاء القسري.
وتزداد معاناة الأسرة نتيجة العواقب المادية للاختفاء القسري. ذلك أن الشخص المختفي غالباً ما يكون هو العائل الرئيسي للأسرة، مما يفاقم الاضطراب العاطفي باقترانه بالحرمان المادي الذي تشتد حدته في الأسرة نتيجة التكاليف الإضافية التي تتكبدها إذا قررت البحث عن فردها المختفي.
لم يعد خافيا على أحد ما يتعرض أهالي المخفيين قسرياً لمخاطر ومخاوف كثيرة من قبل المليشيات الانقلابية منها التهديد المستمر والمتواصل بتعرضهم لنفس المصير, وما يمارس ضدهم من ابتزاز مالي للكشف عن مصير المختفي وكثيرا ما تنتهي هذه الوعود بالتجاهل.
في كثير من الأحيان يواجه المخفيين قسريا الإهمال الطبي والمتعمد وممارسة التعذيب الجسدي والنفسي والاختفاء القسري الذي يشكل عذاباُ ليس للضحية فحسب, بل لأهله وأسرته الذين يظلون يعانون مرارة الفقد والابتزاز المالي من قبل المليشيات الانقلابية.
انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ترافق عملية الاختفاء، تنتهك فيها الحقوق المدنية أو السياسية وهي حق الفرد في الاعتراف بشخصيته القانونية؛ والحق في الحرية والأمن على شخصه؛ الحق في عدم التعرض للتعذيب أو لأي ضرب آخر من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ الحق في الحياة، في الحالات التي يقتل في الشخص المختفي؛ الحق في الهوية؛ الحق في محاكمة عادلة وعلنية وفي الضمانات القضائية؛ الحق في سبيل انتصاف فعال، بما في ذلك الجبر والتعويض؛ الحق في معرفة الحقيقة فيما يخص ظروف الاختفاء وتوصف جريمة الاختفاء القسري “جريمة مستمرة حتى يُعرف مصير أو مكان المختفي.
هناك ترابط وثيق بين الاختفاء القسري والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لما له من تأثير مباشر على الضحايا وأسرهم على حد سواء، منها الحق في توفير الحماية والمساعدة للأسرة؛ الحق في مستوى معيشي مناسب؛ الحق في الصحة؛ الحق في التعليم.
وتتحمل النساء في أغلب الأحيان وطأة الصعوبات الاقتصادية الخطيرة التي عادة ما تصاحب حالات الاختفاء. فالمرأة هي التي تتصدر الكفاح في معظم الأحيان لإيجاد حل لقضية المخفي من أسرتها. وقد تتعرض المرأة، بقيامها بذلك، للمضايقات والاضطهاد والانتقام.
ومما لاشك بأن يقع الأطفال أيضا ضحايا، بصورة مباشرة وغير مباشرة معا. ويشكل اختفاء الطفل خرقاً واضحاً لعدد من أحكام اتفاقية حقوق الطفل، بما في ذلك حقه في التمتع بهويته الشخصية. كما أن فقدان أحد الوالدين عن طريق الاختفاء يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان المكفولة للطفل.
إن ممارسة الاختفاء القسري تتعلق بأشكال القمع السري، وتعد هذه الممارسة جزء لا يتجزأ من الطرق التي تهدف لنشر الخوف وبث الرعب في المجتمع, فالشعور بعدم الأمان الذي تولده هذه الممارسة لا يقتصر على الأقارب المقربين للشخص الذي تعرض للاختفاء فحسب, بل يمتد ليصل إلى مجتمعات هذا الشخص الذين تعرض للاختفاء والمجتمع ككل. والتي تعتبر ممارسات تتجاوز انتهاكات حقوق الإنسان.
ويمكننا القول, بأن استمرار المضايقات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وأقارب الضحايا، والشهود، والمحامون الذين يعنون بقضايا الاختفاء القسري؛ نتيجة طبيعية في استمرار مرتكبو أعمال الاختفاء القسري في حال الإفلات من العقاب على نطاق واسع.
إنّ انعدام الآليات الخاصة التي من شأنها حماية الضحايا يشجع إفلات مرتكبي هذا النوع من الأفعال من العقاب.
يعتبر إفلات الجاني من العقوبة من العوامل الرئيسية في التشجيع على وجود هذه الممارسة، ولمكافحة حالات الاختفاء القسري واستئصالها، فلا بد من المساءلة القانونية وتطبيق الاتفاقية الدولية إضافة إلى تعبئة كل البشر ضد هذه الكارثة.
لابد من تعزيز ثقافة ومفاهيم حقوق الإنسان والتعريف بالجانب الحقوقي والقانوني, فالاجراءات القانونية والقضائية وتقديم البلاغات وعملية الرصد والتوثيق تعد ضمانا لحماية المجتمع من التعسفات والانتهاكات التي يتعرض لها الضحايا وأقاربهم والشهود.
في هذه المناسبة, اليوم العالمي للاختفاء القسري, نوجه دعوة للناشطين والحقوقيين والاعلاميين. والمنظمات الحقوقية والإنسانية والمجتمع بشكل عام حشد وتكثيف جهود المناصرة والتأييد للتعريف بالقضية الإنسانية والجريمة التي تعتبر ضد الإنسانية “الاختفاء القسري” عبر الوسائل المختلفة المتاحة, للضغط على المنظمات الدولية والأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وجميع الهيئات المهتمة بالجانب الحقوقي الوقوف بجدية أمام مايمارس من اضطهاد وعنف ضد المخفيين قسرا والمختطفين والكشف عن مصيرهم وحالتهم الصحية والسماح بزيارة اهاليهم والتواصل معهم , والتوقف عن قرارات الاعدام ضد الصحفيين, والكف عن ممارسة الانتهاكات والجرائم في حق المواطنين والسياسيين والمعارضين، والافراج الفوري والغير مشروط عن المختطفين في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات ، وفتح تحقيق شفاف في كل قضايا الانتهاكات ضد حقوق الانسان ومحاسبة كل المتورطين سياسيا وقانونيا وجنائيا وفقا للمواثيق والاتفاقيات الدولية وقواعد القانون الإنساني الدولي.