هكذا وظف الحوثيون خرافة “الولاية” لتجريم التعددية السياسية في اليمن!

محرر 216 أغسطس 2020
هكذا وظف الحوثيون خرافة “الولاية” لتجريم التعددية السياسية في اليمن!

يسعى الحوثيون لشرعنة انقلابهم على الدولة، والوصول للسلطة بكل الأدوات المتاحة، سواء بالأدوات العسكرية أو الفكرية أو الدينية.

في 18 من ذي الحجة الموافق 8 أغسطس/آب 2020، احتفل الحوثيون بيوم الغدير أو يوم الولاية، وهو اليوم الذي يزعمون فيه أن النبي محمد صلوات الله عليه في طريق عودته بعد حجة الوداع، في غدير يُدعى خُم قُرب الجحفة، منح علي بن أبي طالب السلطة السياسية وجعلها محصورة فيه، مستندين على ذلك بالحديث النبوي القائل (من كنت مولاه فهذا علي مولاه).

والولاية المزعومة هنا وفق وجهة النظر الشيعية التي يتبناها ويسوقها الحوثيون تعني أن السلطة السياسية لعلي بن أبي طالب وذريته، وهي سلطة حصرية لا يحق لأحد من غير آل البيت مشاركتهم فيها ولا منازعتهم عليها، كما تعني في ذات الوقت حصر ما يلحقها من امتيازات مالية ومعنوية بذرية علي بن أبي طالب.

حشد وتعبئة

وبناء على ذلك، فإن الحوثيين يسوّقون هذه النظرية التي تمنحهم الحق في السيطرة والسلطة، ويردون بها على كل من قال إنهم استولوا على الحكم وانقلبوا على السلطة الشرعية، لكنهم في هذا اليوم يقومون بحملات إعلامية واسعة وتحشيد مجتمعي هائل، في المدن والقرى والأرياف الخاضعة لسيطرتهم.

يهدف الحوثيون بتلك الحملات الواسعة والضخ الإعلامي إلى تطييف وتشييع المجتمعات، من أجل خلق حاضنة اجتماعية تتقبل فكرة ولاية وسلطة آل البيت على المواطنين، وذلك من أجل ضمان عدم وجود أي مقاومة مجتمعية من الداخل.

وتقدم جماعة الحوثي نفسها كجماعة دينية، تستند على نصوص نبوية مزعومة من أجل الاستئثار بالسلطة والحصول على الثروات والأموال.

في 8 يونيو/حزيران المنصرم، أقر الحوثيون تعديلا دستوريا في البرلمان قضى بمنح آل البيت 20 بالمائة من موارد الدولة النفطية والمعدنية، ومن بعض الموارد التي يمتلكها تجار يمنيون، بموجب الآية التي تنص على أن لذي القربى من آل النبي الخمس من المغانم والركاز أي الثروات المستخرجة من باطن الأرض.

شيطنة الخصوم

في المقابل، وبناء على فكرة الولاية الحصرية يقوم الحوثيون بشيطنة الخصوم، بحجة أنهم ينازعون أهل البيت حقهم الممنوح لهم من قبل الله، وبتلك الحجة يعتبرون المخالفين مارقين ويستحقون العقاب.

شيطنة الخصوم تحمله أدبيات الحوثيين في الكتب والملازم التي يدرسونها لأتباعهم، غير أن الخطابات التي يلقيها الحوثيون ويشيطنون من خلالها الخصوم تقوم على اتهامهم بالعمالة والارتزاق لقوى أجنبية، وهي التهمة التي يرمون بها كل خصومهم.

بموجب هذه النصوص والمعتقدات، حكم الحوثيون في مارس/آذار 2020، على 35 برلمانيا يمنيا بالإعدام ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم، كما حكموا بعدها بشهر واحد على 4 صحفيين بالإعدام.

توظيف المناسبات

في تصريح خاص بالاستقلال يقول الكاتب اليمني محمد الأحمدي: “لا يتوانى الحوثيون عن استخدام كل مناسبة دينية طائفية لتوظيفها في صالح مشروعهم، من خلال التعبئة الطائفية للناس ومحاولة فرض التشيع الثقافي والسياسي على الجماهير في المناطق التي تقع في نطاق سيطرتهم.

يتابع الأحمدي: “يسعى الحوثيون من خلال ذلك التحشيد لخلق قاعدة مجتمعية تتقبل فكرة الولاية التي تجسد النزعة الاستعلائية العنصرية على المجتمع، وتطبيع المفاهيم الطائفية الدخيلة على المجتمع اليمني على حساب الهوية الجامعة”.

يضيف الكاتب والناشط الحقوقي اليمني: “وفي نفس الوقت تعمل المليشيا الحوثية على عقد ما تسمى الدورات التثقيفية للأشخاص الواقعين في نطاق سيطرتهم، وتستهدف بدرجة أساسية فئات المعلمين ومسؤولي الأحياء وموظفي الدولة، وتأخذهم لدورات تثقيفية تستمر أحيانا لعدة أسابيع، يتم فيها تدريس ملازم حسين بدر الدين الحوثي (مؤسس الجماعة)”.

وتابع: “المفاهيم التي تخدم فكرة الولاية، مفاهيم عنصرية قائمة على الكراهية والعنف ومعاداة الآخر واستباحة دمه، وخلال هذه السنوات الماضية كانت أخطر حرب على المجتمع هي الحرب الفكرية التي تشنها مليشيا الحوثي على المجتمع”.

ويختم الأحمدي: “والمؤسف أن هذا السلوك لميلشيا الحوثي في محاولة تطييف المجتمع لم يعد مقتصرا على ما يسمى جغرافيا المناطق الزيدية في الشمال وشمال الشمال، لكنه أيضا جزء من حرب الميلشيا على الجغرافيا السنية التي لم تكن يوما من الأيام جزءا من أي حراك للتشيع السياسي أو الطائفي”.

إخفاقات معركة استعادة الدولة اليمنية التي دخلت في حسابات مختلفة أظلت بعدالة النضال الوطني اليمني ضد مليشيا الحوثي ساهمت في إتاحة الفرصة للمليشيا في غرس تلك المفاهيم العنصرية وعلى رأسها فكرة الولاية، حسب الأحمدي.

استنساخ التجربة

وفق متابعين، يسعى الحوثيون لتصدير نظام الولاية كنظام بديل عن النظام الديمقراطي القائم على الانتخابات والتداول السلمي للسلطة عبر الأحزاب السياسية، ذلك لأن الحوثيين يدركون أن أي تجربة حزبية ستكون فاشلة، لأنهم، كأقلية، لن يحظوا بالحصول على أصوات تمكنهم من الفوز في أي انتخابات محلية أو تشريعية أو رئاسية.

لذلك فإن الحوثيين كجماعة رفضوا التحول لحزب سياسي، يمارسون السياسة من خلال الأحزاب، برغم الدعوات الإقليمية والدولية التي تدعوهم لممارسة السياسة من خلال الأدوات الحزبية.

مراقبون يرون أن ذلك لا يعني أن هذه هي إستراتيجية دائمة للحوثيين، فهم يسعون على المدى الطويل وبعد تمكنهم وانتهاء الحرب، لتطبيق النموذج الإيراني في تجربته الحزبية والانتخابية، الذي تكون فيه القيادة العليا لقائد الثورة والمرشد الأعلى، كما هو النموذج الإيراني الذي ينص دستوره على أن القيادة العليا للمرشد العام وأن مذهب الدولة هو المذهب الاثنا عشري، وأن الرئيس يجب أن يكون شيعيا.

وبناء على ذلك فإن النموذج يقتضي بأن يكون عبد الملك الحوثي هو قائد الثورة، وهي الصفة التي يطلقها عليها الحوثيون في الوقت الحالي، والرئيس فيما لو تم انتخابه لاحقا، يجب أن يحصل على تزكية من قبل قائد الثورة، أو على تزكية  من مجلس معين من قبل قائد الثورة، كما يُشترط أن يكون الرئيس من آل البيت، وذلك لضمان تطبيق مبدأ الولاية وسلطة ذرية أبناء علي.

كذلك الحال في النظام الحزبي، فالأحزاب فيما لو تم إنشاؤها مستقبلا يجب أن يكون تأسيسها متوافقا مع الدستور الذي صاغه أو قام بتعديله برلمان الحوثيين، في استنساخ للتجربة الحزبية الإيرانية.

تعددية شكلية

أمين عام مجلس شباب الثورة محمد المقبلي، قال: “الحوثيون جماعة لا تؤمن بالمشاركة السياسية الواسعة، وهي من ناحية الفكر السياسي خليط من نسخة محلية وإقليمية، النسخة المحلية هي الإمامة الهاشمية والنسخة الإقليمية هي ولاية الفقيه، وبالتالي فالحوثيون في الأساس ضد الانتخابات وضد المشاركة السياسية وضد التحولات الديمقراطية بسبب نظرية الحق الإلهي التي ترى أن الانتخابات تعد على الحق الإلهي في الحكم، وإن كانوا لا يظهرون ذلك”.

يتابع الناشط السياسي المقبلي في حديثه لـ”الاستقلال”: “إذا استمر الحوثيون مستقبلا فإنهم في الغالب سيسعون لتطبيق التجربة السياسية الإيرانية، وحاليا هم يؤهلون طبقة سياسية جديدة شابة في قم، لكي تعود وتؤسس لصيغة سياسية أشبه بالصيغة الإيرانية”.

ويختم المقبلي بالقول: “بالطبع ستكون تعددية حزبية، لكنها شكلية، وستكون هناك قوة عسكرية ضاربة أشبه بالحرس الثوري، وسيكون هناك شخص فوق الأحزاب وفوق السياسة وفوق القانون، حتى وإن لم يعلن نفسه كمرشد، لكنه سيسمي نفسه قائد الثورة، وهو عبدالملك الحوثي”.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق