بقلم - أحمد بودستور
قال الشاعر معروف الرصافي :
أمن السياسة أن يقتل بعضنا بعضا ليدرك غيرنا الآمالا
قال الله تعالى في سورة المائدة (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا عليى الإثم والعدوان) ويقول المثل العربي(يد الله مع الجماعة) فهناك بوادر مشجعة مفعمة بالأمال لاحت في افتتاحية مؤتمر القمة العربية الدورة 28 التي عقدت يوم الأربعاء في المملكة الأردنية الهاشمية فقد كان هناك خطاب عربي منسجم حيال القضايا التي تعصف بالمنطقة فقد كانت كلمات الزعماء العرب تركز على وحدة الصف واتحاد الكلمة لمواجهة الأخطار التي تحيط بالأمة العربية ولعل أهمها تداعيات الربيع العربي الذي فتح أبواب جهنم على المنطقة .
صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد حفظه الله قال في كلمته في الجلسة الافتتاحية أن وهم الربيع العربي أطاح بالأوضاع الأمنية والاقتصادية في عدة دول عربية وزعزع أمنها واستقرارها ولازالت تداعياته ممتدة إلى دول عربية أخرى وقد تدهورت الأوضاع في تلك الدول وتعيش شعوبها معاناة صعبة وتعيش في ظروف قاسية .
أيضا طالب سموه بضرورة العمل بكل الجهد والسمو فوق الخلافات وأن لا ندع مجالا لمن يتربص بأمتنا ويزيد من معاناتها ويشل قدراتها ولابد من تجاوز هذه الخلافات لمواجهة التحديات والظروف الراهنة والمستقبلية .
ماحدث في مؤتمر القمة العربي لاشك مفاجأة سارة وهي تصب في الاتجاه الذي طالب فيه صاحب السمو من حل وتجاوز الخلافات العربية فقد كان هناك اجتماع بين خادم الحرمين الملك سلمان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وهو يبشر بالخير وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين السعودية ومصر وهما كما قال مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله وطيب ثراه أن مصر والسعودية هما جناحا الأمة العربية ولهذا لايمكن للأمة العربية أن تنهض من المستنقع التي هي غارقة فيه إلا بتنقية الأجواء بين الدول المؤثرة مثل السعودية ومصر لمواجهة مايحاك في العلن من دول معروفة لتمزيق وتقسيم العالم العربي إلى دول متناحرة تستنزف ثرواتها وطاقاتها في خلافات عواقبها مدمرة ووخيمة.
كان هناك شبه إجماع على التصدي للخطر الإيراني فقد ورد في كلمة الرئيس المصري أن مصر لن تسمح لدول أن تعبث بأمن واستقرار المنطقة من خلال إثارة الفتن والحروب الطائفية وطبعا يقصد إيران فهي تتدخل في شؤون الدول العربية بشكل مكشوف في العراق وسوريا ولبنان واليمن ولايكاد يمر يوم إلا ونسمع عن صواريخ باليستية تضرب أراضي المملكة العربية السعودية وهي صناعة إيرانية زودت بها إيران وكيلها الحصري في اليمن الحوثيين التي تريد لهم إيران أن يكونوا نسخة ثانية لحزب الله حتى تكون اليمن خنجرا في خاصرة المملكة العربية السعودية ودول الخليج.
نعتقد أن هناك رمزية لانعقاد مؤتمر القمة العربية بالقرب من البحر الميت الذي هو قريب جدا من فلسطين التي يحتلها الكيان الصهيوني فهناك إحياء لمساعي السلام وعودة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني فهناك جهود دولية تشارك فيها الولايات المتحدة وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي وجمهورية مصر وهناك مبادرة عربية تبنتها القمة العربية في لبنان قبل عدة سنوات وتقدم بها المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله تستند على قرارات الأمم المتحدة وحل الدولتين.
أيضا هناك تلميحات أمريكية على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وهو ما تحلم به إسرائيل وذلك لضم القدس واعتبارها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني وهو مساس بالأماكن المقدسة فالمسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين ولابد أن يكون تحت السيادة الفلسطينية وأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية ولذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس مرفوض جملة وتفصيلا ويعرض المصالح الأمريكية في المنطقة لمخاطر كثيرة ولذلك لابد أن تتصدى الدول العربية مثل مصر والسعودية لمنع هذا القرار الأمريكي.
هناك خلافات حول القضية السورية ولازال المقعد السوري شاغرا ولكن هناك شبه إجماع واتفاق أنه ليس هناك حل عسكري للقضية السورية ولابد من حل سياسي وهناك مفاوضات تجري في جنيف بين وفد النظام السوري ووفد المعارضة السورية ولكن هذه المفاوضات لن يكتب لها النجاح إذا لم تكن هناك ضغوط روسية حقيقية على النظام السوري للقبول بالقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن والذي يرسم خارطة طريق للحل السياسي للقضية السورية التي لازالت جرح ينزف وكل يوم يقتل ويشرد أبرياء من الشعب السوري ولابد من وقف حمام الدم .
نأمل أن يكون مؤتمر القمة العربية الدورة 28 بداية صحوة عربية تسمو على الخلافات التي تمزق وتقسم الصف العربي وتستنزف خيراته وثرواته وأن تركز الدول العربية على التصدي للأخطار المحيطة بالمنطقة وفي مقدمتها الخطر الإيراني والخطر الصهيوني فهما وجهان لعملة واحدة وكلاهما يضمر الشر للأمة العربية .