بقلم - أحمد عبد العزيز الجارالله
عندما بدأ عصر النفط، قامت سياسة المملكة العربية السعودية الاقتصادية على مبدأ أن الجيل الحالي يجب أن يتمتع بالثروة النفطية، فيما تركت المعادن التي تشكل ثروة كبيرة للأجيال القادمة، ولم تستغل إلا بنسب بسيطة جدا منها، أما اليوم ومع التحولات الجذرية التي يشهدها العالم لم تركن المملكة إلى الواقع الحالي، فقد أطلقت عملية إعداد المجتمع لمرحلة ما بعد النفط، وأن تكون هناك مصادر دخل أخرى تضمن استمرار رفاهية المجتمع السعودي، مع الأخذ بعين الاعتبار الاعتماد على الشباب كقوة عمل تستطيع إدارة اقتصاد المستقبل.
لا تنتظر الدول التي تمتلك رؤية متقدمة وخطة وطنية نضوب ثروة معينة كي تبدأ في البحث عن مصدر آخر، إنما تبدأ العمل على تهيئة شعوبها لذلك قبل عقود من الزمن، وهذا ما يعمل عليه حاليا في المملكة، رغم كل المصاعب التي نشأت من انخفاض أسعار النفط، وإجراءات التقشف التي فرضتها الأزمة المالية العالمية.
وفي هذا الشأن لا نزال حتى اليوم نرى تلك النظرة التشاؤمية للمحللين، لا سيما بعد إطلاق “عاصفة الحزم” لدحر المشروع التوسعي الإيراني من خلال اليمن، والمؤسف في هذا أن الأرقام الوهمية عن تكلفة الحرب أصبحت أشبه بالمزاد العلني، غير أن الحقيقة التي تسمعها من المسؤول الأول عن هذا الملف مختلفة تماما عما يشاع، فهي لا تتعدى 17 مليار ريال سنويا، وهو مبلغ صغير جدا قياسا بالعائد منه الذي لا يقف عند حدود حماية المقدسات الإسلامية من المطامع الفارسية، إنما حماية السعودية ودول الخليج كافة، بل حماية العالم العربي، وإذا تمعن هؤلاء المحللون في النتائج التي ستترتب على نجاح المشروع الفارسي، لكانوا اقتنعوا أن التكلفة المالية ليست ذلك الأمر الكبير، وقالوا يا ويلنا إذا كان نجح مشروع نظام الملالي.
ثمة الكثير من الحقائق غير المعلنة في هذا المجال وغيره التي تشكل هواجس للسعوديين والخليجيين كافة، وهي بحاجة إلى توضيحات كي لا تبقى الأمور نهبا لتخيلات المحللين، خصوصا أن المملكة قاطرة الاقتصاد الخليجي، وإذا ما توعك قليلا أصيب الإقليم بالحمى.
التغييرات البنيوية في الاقتصاد العالمي تفرض على الجميع التكيف معها كي لا يسبقهم الزمن، ومن هذا المنطلق وعملا بالمقولة المأثورة: “الحاجة أم الاختراع” من الضروري أن يعمل الشباب السعودي خصوصا، والخليجي عموما، على الانخراط في سوق العمل عبر عشرات المهن التجارية والحرفية التي يعمل بها الوافدون ويستنزفون مليارات الدولارات عبر تحويلها إلى الخارج، ولذلك حان الوقت كي ينتقل الخليجي من مرحلة الرعاية المطلقة إلى المبادرة الفردية، فالسماء لا تمطر ذهبا، ولن تبقى هذه الرعاية إلى الأبد، ولذلك لا بد من تنشيط القطاع الخاص الذي لا يمكن أن يتحقق مادام هناك بطالة مقنعة عبر التوظيف غير الفاعل في المؤسسات الحكومية، وفي الخطة الجديدة للمملكة فإن ذلك لم يعد بعيدا.
سمو ولي العهد
لا بد من الاعتراف بأن الواقع الاجتماعي يؤثر في الوضع الاقتصادي، وهنا تحضرني مبادرة المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز لتعليم المرأة، وقوله: “إن التعليم شأن اجتماعي من يريد تعليم بناته فهذه المدارس موجودة، ومن يرفض ذلك حر في خياره”.
اليوم نرى الآلاف من أحفاد الذين عارضوا، سابقا، تعليم المرأة يدرسون في جامعات العالم، ووصلت سعوديات إلى مناصب عليا في الدولة، ومنهن سارة السيحمي التي تتولى حاليا رئاسة سوق الأوراق المالية السعودية، وهذه الخطوة الكبيرة في اضطلاع المرأة بالمسؤولية الوطنية لا تزال ناقصة، إذ كيف تؤتمن هذه المرأة على مليارات الريالات وفي الوقت نفسه لا يمكنها قيادة سيارة بنفسها، إضافة إلى أن المملكة بصدد افتتاح الكثير من المشاريع العملاقة التي لا شك سيكون للمرأة فيها حصة كبيرة، وهؤلاء النسوة سيكن بحاجة إلى التنقل من وإلى أماكن عملهن، فهل سيقال لهن ممنوع عليكن قيادة سيارة فيما أنتن قادرات على قيادة مشاريع عملاقة؟
سمو ولي العهد
أطلقتم مشروع استغلال ساحل البحر الأحمر والجزر المحاذية له، وهو بكل المقاييس من المشاريع النهضوية العملاقة، وحسنا أنكم وضعتم معايير عدة في هذا الشأن لا ترتبط بالأنظمة المعمول بها في المملكة، لأنه سيجعل من هذه المنطقة نافذة سياحية للسعوديين بالدرجة الأولى، وبالتالي يوفر عليها المليارات التي تنفق على السياحة في الخارج، كما أنه سيكون مصدرا للدخل عبر جذب السياح من الخارج، وهذا له أهميته الكبرى على الاقتصاد الوطني.
لا شك أن في المرحلة المقبلة أمامكم الكثير من العمل الشاق، ومن الأفضل دائما اطلاع السعوديين على التطورات أولا بأول، إذ ذاك ستجدون منهم الدعم والتأييد، إضافة إلى إزالة أي لبس لديهم حيال الخطوات التي تخطونها باتجاه الهدف الكبير وهو تحقيق رؤية السعودية الاقتصادية، ورغم أن الجميع متفائل بما أنجز، وبخاصة بعد الأرقام المشجعة التي احتوتها ميزانية السنة المقبلة المعلنة أخيرا، إلا أن ذلك لا يمنع من تلقي الناس المعلومات من المنبع الذي هو أنت، وليس من المحللين المعتمدين على التخمينات، فيا حبذا أن تكون لك إطلالة إعلامية بين الحين والآخر تشرح فيها ما تم إنجازه، وما تفكرون به، بدلا من أن يبقى الناس تحت وقع همس فلان وعلان ما يزيد من الهواجس.
قلنا أمس: إن الإنسان بأصغريه عقله ولسانه، واليوم نضيف إليها أن فن الإدارة الناجح يكون بحسن اختيار المساعدين القادرين على تنفيذ التوجهات بدقة وعلمية وأمانة.