بقلم - عيدالعزيز جباري
صغير بن عزيز زميلي منذ سبعة عشر عاماً، نلتقي الصباح في قاعة مجلس النواب وبعد الظهر إلى المساء في لجنة القوى العاملة بالمجلس، أعرف بن عزيز حق المعرفة، وقف ضد حركة الحوثي منذ بداية تحركها وتمردها.
وقاتل إلى جانب الجيش في حربه ضد المليشيات.. تخللت هذه الحروب عدة هدن وتوقف لإطلاق النار بين الجيش والمليشات بواسطة من عدة جهات كان الحوثي يستغل هذه الهدن مع الجيش وينقض على الشخصيات المؤيدة للدولة من أبناء صعدة وما جاورها. وفي أثناء أحد هذه الهدن انقض على بن عزيز وجماعته وقتل منهم الكثير وقاتلت قبائل بن عزيز قتال الأبطال واستطاعوا ان يصمدوا رغم الفارق في العتاد والعدة والجيش ملتزم بالهدنة.. طالبنا في مجلس النواب بتدخل لانقاذه ولكنا لم نستطيع احضار وزير الدفاع للمجلس بحكم ان هيئة رئاسة مجلس النواب واغلبية الاعضاء من المؤتمر الشعبي العام وملتزمين بتوجيه قياداتهم.. وبقية القوى في المجلس تعتبر الحرب لا تعنيهم وعلى المؤتمر تحمل كل النتائج. مما اضطرنا أنا وزميلين بالاعتصام داخل قاعة مجلس النواب حتى منتصف الليل حتى حصلنا على وعد رئاسي بالتدخل السريع وانقاذه..
انتهى اليوم الثاني والثالث ولم يتحرك أحد حتى استطاع الخروج من الحصار بأعجوبة بعد أن فقد العديد من إخوانه وأصحابه.
ظل زميلنا في العاصمة صنعاء حتى اندلاع ثورة الشباب ونحن معاً في المجلس، أنا كنت من المؤيدين للشباب وصغير بن عزيز من أشد المؤيدين للرئيس السابق علي عبدالله صالح نلتقي ونتعاتب ونتناقش بإخوة واحترام وكل واحد منا متمسك بموقفه ووجهة نظره برغم اعترافه لي ببعض المواقف السلبية تجاهه.
دارت الأيام وقامت جماعة الحوثي بالهجوم على العاصمة وحصلت الكارثة التي كنا نتخوف منها واستطاعت هذه الجماعة وأذرعها المتوغلة في السلطة والأحزاب السياسية من إقناع الكثير بأن ليس لها أي طمع في السلطة وليست عدوة لأي أحد إنما تريد تقليم أظافر بعض الجهات التي تعيق مؤسسات الدولة فقط فاعتقد الجميع أنه باستطاعته الاستفادة من هذه الجماعة وتوجيهها بما يخدم مشروعه ويقضي على خصمه إلى الأبد.
والحقيقة ان هذه الجماعة وبمساعدة اللوبي السلالي المتوغل ضحكوا على كل الأطراف وانتقموا من الجميع ومن المجتمع اليمني ككل.
عندما كنا نشاهد هذه العصابه تستولي على مؤسسات الدولة وتعبث بها ويتحكم في الوزارة أو الهيئات الحكومية شخص يسمى مشرف لايفقه شيء، والبعض منهم أول مره يعرف العاصمة صنعاء. كنا نشعر بحجم الكارثة التي وقعنا فيها..
التقيت وقتها بالأخ بن عزيز وطلبت منه الاتصال بالأخ أحمد علي إبن الرئيس السابق لمعرفتي بعلاقة الشخصين وبالفعل اتصل به والتقينا في نفس الوقت في جمعية الصالح وحاولت أشرح للأخ أحمد خطورة هذه المليشيا وضرورة التسامي فوق الجراح وإعانتنا في الطلب من والده بالتقائه مع الفرقاء السياسيين وخاصة قيادة التجمع اليمني للإصلاح..
لم أتلق جواب شافي من الأخ أحمد ويبدوا أن كل جهة كانت قد حددت خياراتها من وقت مبكر، وان حساباتنا كانت في غير محلها.
تمكن الرئيس من الخروج من بيته بعد أن أطبق الحوثيين عليه الحصار في منزله المعروف في العاصمة صنعاء. وبالمناسبة كثير من التحليلات والأخبار عن من ساعد الرئيس البعض قال مخابرات دولة جارة والآخر يقول بعض المشايخ من مشايخ المنطقة.
والحقيقة التى تأكدت منها لاحقاً أنه لا أحد من هذه الجهات علمت بخروج الرئيس إلاّ بعد وصوله عدن وكان خروجه بسيارة عادية وبشكل طبيعي، لاعتقاد الحوثة المحاصرين للبيت بان الرئيس اذا أراد الخروج فلا بد ما يخرج بالحراسة والسيارات المدرعة والمصفحة ولم يتخيلوا انه ممكن يخرج بسيارة قديمة الصنع.
بعد أن تأكدنا من وصول الرئيس عدن اتفقنا كقيادة للقوى السياسية الذهاب إلى عدن وإعلان تأييدنا للرئيس ولشرعيته وخاصة بعد تقديم استقالته لمجلس النواب الذي لم يناقشها فأصبحت ملغية بقوة الدستور وبالفعل توجهنا إلى عدن وفي الطريق وعند مدخل مدينة إب تم اعتراض سيارة الاخ طيب الذكر محمد قحطان واختطافه وإرجاعه صنعاء واستطعنا انا وبعض الزملاء الوصول إلى عدن لحق بنا الأستاذ عبدالله نعمان والتقينا بالأخ الرئيس وبعدها بساعات تلقيت اتصالاً من الرئيس السابق رحمة الله عليه. تأكدت بعدها من مخاطر العودة إلى العاصمة صنعاء أو حتى إلى مسقط رأسي مدينة ذمار.
توجهت بجواز عادي إلى القاهرة لأن جوازي الدبلوماسي محجوز في الخارجيه من قبل جماعة الحوثي حينها..
ضليت في القاهرة أيام تلقيت بعدها دعوة من مجلس التعاون الخليجي بطلب الحضور إلى الرياض للتحضير لمؤتمر الرياض الذي من المفترض أن يحضره الجميع بما فيهم جماعة الحوثي والمؤتمر الشعبي على أمل حل المشكلة اليمنية، خاصة أن المملكة كان لها دور كبير في التوقيع على اتفاقية المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. وتم توجيه الدعوات لهم.
ولكن تم الرفض من قبل جماعة الحوثي واعلنوا موقفهم وايضا المؤتمر أعلن عدم حضوره، تتالت الأحداث والمواقف حتى اندلعت الحرب..
مجدد التقيت بزميلي الشيخ صغير بن عزيز وزميلي الآخر الشيخ عثمان مجلي ولكن هذه المرة في الرياض في بلد غير بلدنا وعاصمة غير عاصمتنا الفرق بيني وبينهم أنهم مشردين للمرة الثانية، الأولى من مناطقهم إلى العاصمة صنعاء والثانية من اليمن بكلها إلى الخارج وتضحياتهما أكثر مني بكثير، سواءً بالمال أو بالرجال. ولكن لقائنا هذه المرة غير اللقاءات السابقة، لا عتاب فيه كالعادة بل نتحسر على بلادنا وكيف كانت وأين أصبحت والحقيقة أننا كلنا نتحمل المسؤولية كل المسؤولية عما جرى لبلادنا، كلاً بقدر تأثيره على الأحداث ولا تستطيع أي جهه تتنصل من هذه المسؤولية فالحسابات الضيقة والمشاريع الصغيرة والتفرد وإلغاء وإقصاء الآخر كانت سيدة الموقف، وهي من قادتنا إلى ما نحن فيه. ولا زالت هذه الأمراض قائمة إلى يومنا هذا..
بن مجلي وبن عزيز أكثر شخصين يكرههم الحوثي وأكثر من تم التنكيل بهم وقتل اقربائهم واصحابهم وفجر منازلهم وصادر كل ممتلكاتهم بحكم ان الحوثي يعتبر أن هذين الشخصين من منطقته والمفترص ألاّ يعارضوه في مشروعه السلالي وكان عليهم ان يسلكوا مثل بعض أعضاء المجلس من هذه المناطق الذي تحولوا إلى أداة في هذا المشروع السلالي..
سافر بن عزيز لإكمال دراسته العسكرية ثم رجع لإكمال مسيرته التي اختارها ورضي بها هذه المرة مسؤولاً كبيراً في الجيش اليمني..
الحوثي يعرف جيداً أنه يقاتل من قاتله في البداية وسيضل يقاتله حتى النهاية إلى أن يعود الحوثي إلى جادة الصواب ويتخلى عن مشروعه السلالي الطائفي ساعتها سيتناسى اليمنيون جراحهم لكنهم في الوقت ذاته لا يمكن أن يتخلوا عن كرامتهم مهما ألمت بهم الخطوب وتعاظمت عليهم التحديات..