بقلم - عادل الشجاع
لم يقدم المجلس الانتقالي أي مشروع حتى الآن سوى مشروع الدم الذي يفرق الجنوبيين أكثر مما يوحدهم . هذه المليشيا تعزز وجودها بأصولها الجغرافية مستندة إلى الدعم الإماراتي القائم على تدويل الأزمة اليمنية . يمثل الانتقالي أخطر تهديد للشرعية التي تواجه مليشيا الحوثي الانقلابية .
يحاول الانتقالي تحميل الوحدة مشكلة الصراع في الجنوب ، والحقيقة أن جذور الصراع ترجع إلى فترة التحرر من الاستعمار البريطاني وانقسام المقاومة حينذاك إلى الجبهة القومية وجبهة التحرير . بعد رحيل الاستعمار البريطاني خاضت الجبهة القومية صراعا دمويا مع جبهة التحرير أدى إلى تصفية قيادات جبهة التحرير والبعض منها فر إلى صنعاء .
ولد الحزب الاشتراكي من رحم الجبهة القومية وانتقل الصراع مجددا إلى داخله في عدة محطات ، وتوسعت دائرة الخصومات القبلية والمناطقية ، وكان صراع ١٩٨٦ ، هو الأكثر دموية ، حيث تم القتل بحسب مكان الولادة . ولكي نعرف أسباب الصراع اليوم بين طرفي اتفاق الرياض ، فعلينا أن ندرك أنهما نفس الفصيلين الذين قاتلوا بعضهم البعض في يناير ٨٦ ، وفي عام ٩٤ . يحاول الانتقالي أن يضفي على هذا الصراع بعدا شماليا لكي يثير حماسة الجنوبيين . والحقيقة أنه صراع يطل برأسه من تحت رماد المناطقية .
كانت ميزة الحزب الاشتراكي أنه لم يتخلى عن الهوية اليمنية وقمع بكل قوة الهويات غير الوطنية ، بل وعمل على سحقها وخاصة تلك المتحدثة باسم الجنوب العربي . عمل الحزب على دعم المفهوم الشعبي لليمن مما سهل قيام الوحدة بين الجنوب والشمال عام ٩٠ .
قامت الوحدة استنادا للتعبية الشعبية من قبل النظامين في الجنوب والشمال ، لكنها كانت تفتقر للمشروع الاقتصادي والاجتماعي خاصة في ظل الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين الشمال والجنوب . وجد الجنوبيون أنفسهم أمام الاقتصاد شبه الحر بعد أن كانوا في كنف اقتصاد الدولة ، مما أثر عليهم بشكل كبير ، بالإضافة إلى منظومة الفساد التي طغت على سلطة دولة الوحدة .
أفرزت اتفاقية الوحدة واقعا جديدا تمثل في بروز حزب الإصلاح كاستحقاق ديمقراطي وتراجع الحزب الاشتراكي كشريك في تحقيق الوحدة . لم يستوعب الحزب الاشتراكي أن التعددية تعني تبادل الكراسي والأدوار . لذلك اعتبر صعود الإصلاح في انتخابات ١٩٩٣ تأمرا عليه وإقصاء له كشريك ، نتج عن ذلك حرب صيف ٩٤.
مع حرب صيف ٩٤ أطل الصراع مجددا بين طرفي أحداث يناير ٨٦ . الطرف المنتصر في ٨٦ ، كان هو المهزوم في ٩٤. عاد الصراع مجددا بسبب شبكة المصالح التي وزعت على المنتصرين خصما من الطرف المهزوم . وفي عام ٢٠١٥ ومع انقلاب الحوثي على السلطة انتقل الرئيس هادي إلى عدن متخذا منها عاصمة مؤقتة . كان بإمكان عدن أن تقود زمام الوحدة وتصحح أخطاء صنعاء ، لكن الانفصاليين رفضوا بقاء هادي بوصفه امتدادا للوحدة .
في حقيقة الأمر لم يكن الانتقالي هو الفصيل الوحيد في الجنوب ، فهناك كيانات أخرى لها رؤى مختلفة عن الانتقالي ، إلا أن الدعم الإماراتي للانتقالي قدم له شبكة من العلاقات المجانية وفتح له مكاتب خارجية . حاولت الدول الأوروبية وبعض الدول الأخرى دعم الحركات الانفصالية بهدف توحيدها ولكن دون جدوى .
يعود السبب في ذلك إلى جذور الصراع التي تضرب بعمق في تركيبة هذه الحركات مناطقيا وإيديولوجيا ، إضافة إلى افتقارها إلى مشروع سياسي أو حتى برنامج اجتماعي واقتصادي . يتكئون على الانفصال للوصول إلى مصالحهم الخاصة بعيدا عن احتيجات الناس .
كان بإمكان الإمارات أن تعمل على معالجة المشاكل المتنوعة والمعقدة التي تواجه الجنوب ، لكن هدف الإمارات هو إيجاد صراع مستدام . كان بإمكانها أن تكون وسيطا محايدا بين الجنوبيين من جهة والجنوبيين والشماليين من جهة أخرى ، لكنها لا تريد الاستقرار للجنوب لكي تحقق مصالح وهمية لن تطولها وستتحول إلى عدو لكل اليمنيين ، بسبب قراءتها الخاطئة لطبيعة الصراع في الجنوب .
لست بحاجة للقول إن استمرار دعم الانتقالي للتمرد على الشرعية سيقود إلى حرب أهلية أركانها جاهزة وستكون مدمرة للجميع ، لأن فوائد أرباحها سيجنيها حلف إيران . على المملكة العربية السعودية أن تتدارك أخطاء الإمارات في إنشاء الأحزمة والنخب . وعليها أن تدعم التنمية وبناء الدولة ، وتطوير البرامج المؤسسية .
مشكلة الجنوب ليس مع الوحدة بل مع الدعوات الانفصالية . وعلى الاتحاد الأوروبي أن يراجع سياساته في التعاطي مع المجلس الانتقالي ، لأن أي خطوة على الأرض اليمنية لابد وأن يتقبلها الأوربيون في كل بلدانهم . وهم يدركون بعد جولة من اللقاءات مع الحركات الانفصالية في الجنوب أنها لا تملك ولن تملك مشروعا جامعا . ويدركون أن العمل في إطار دولة يعد أقصر الطرق إلى تحقيق مصالح الناس . ويدركون أن العمل في إطار الفوضى يقود إلى مزيد من الشتات وتعطيل التنمية المرتبطة بمصالح الناس .