بقلم - فتحي بن لزرق
يسألني كثيرون لماذا لم تعلق على معركة زنجبار الأخيرة ؟
علاوة على صعوبة الحديث من داخل عدن تبدو كل الأحاديث السياسية والتنظيرات حول هذه المعركة بعيدة كل البعد عن واقع المعركة الحقيقي وجوهره.
علمتني 5 سنوات من الحرب في اليمن ان لكل حدث سياسي أو عسكري وقائع خلف المشهد الظاهر هي المحرك الحقيقي له.
حتى الأول من أغسطس 2019 كان المجلس الانتقالي واحداً من أهم لاعبي السياسة اليمنية على الإطلاق عسكريا وسياسيا كذلك كانت الشرعية حاضرة بقوة سياسيا وعسكريا لكن ما الذي تغير ..؟
في إفادته الأخيرة قبل أيام قال المبعوث الاممي مارتن جريفيث ان الأطراف المتحاربة في اليمن قطعت شوطا كبيرا في انجاز تفاهمات سياسية صوب التوصل إلى سلام دائم في اليمن.
كانت هذه الإشارة واحدة من اكبر الإشارات السياسية الايجابية على ان ثمة تفاهما كبيرا قد تم بين اللاعبين الكبار في الملف اليمني خصوصا وان هذه الإشارات جاءت عقب اعترافات رسمية بوجود تواصل (سعودي حوثي) لمناقشة سبل وقف الحرب في اليمن وهو مايبدو جليا انه انتهى إلى تفاهمات.
التسوية السياسية في اليمن لن تتم إلا بتهيئة الأوضاع في عموم المناطق اليمنية الأخرى وخصوصا مناطق الجنوب وتسوية الأرضية السياسية فيها بشكل كامل ومايحدث من طحن للقوات العسكرية في صحراء أبين إلا جزء من طبخة الحل النهائي للتسوية السياسية الشاملة في اليمن .
في الطريق إلى تسوية سياسية مع الحوثيين وشاملة لكل اليمن يجب الا تكون هناك نتوءات سياسية أو عسكرية في أي مكان في اليمن ، كانت النتوءات الأكبر هي الموجودة في عدن والمتمثلة بالقوة العسكرية التي شكلتها الحكومة الشرعية وصقورها على وجه التحديد والمجلس الانتقالي في الاتجاه الأخر .
كان لزاما إزالة كل هذه النتوءات وبدأت العملية بواقعة اغتيال الشهيد ابو اليمامة.
في الـ 30 من يوليو 2019 كان المجلس الانتقالي القوة الضاربة التي تمتد من جبهة الساحل الغربي حتى حدود العبر والمهرة شرقا ، إلى جانب ذلك كانت الشرعية قوة ضاربة في عدن وأبين ومحافظات أخرى ..
ما الذي تبقى عقب شهر من المعارك والاضطرابات؟
لاشيء خسر الانتقالي 85% من الأراضي التي كان يسيطر عليها ذابت النخبة وتبخرت وتحللت معسكرات كثيرة للحزام الأمني ،في المقابل خسرت الشرعية حضورها العسكري أيضا في عدن وتلقى صقورها ضربات عنيفة هدفت لإخراجهم من المشهد السياسي.
كانت عصا التحالف تضرب الجميع بهدف مساواة الأرضية السياسية للمرحلة المقبلة ويجب إعادة الأرض إلى مايشبه الـ 26 من مارس 2015 فالسعودية لن تخوض حربا بلا أفق ولا نتائج.
حاصر “التحالف” صقور الشرعية ومهد لحضور شرعية قابلة للتعامل مع المشهد القادم ،في الاتجاه الأخر عمل على تجفيف كل منابع الانتقالي وحاصر قواته في عدن وحرمها من عناصر الحياة وهو ما أضعفها بشكل كبير .
كذلك كانت الشرعية تعاني وتحتضر.
شعر “الانتقالي” بخطورة قطع إمدادات الحياة عنه ، كان المجلس يذوي وحيدا في عدن فالقيادات في الخارج والقوات بلامرتبات ولا اتفاق سياسي يلوح في الأفق.
كان يشبه شخص يقف مع جماعة مضادة داخل غرفة واحدة مجردا من كل شيء إلا من قنبلة يدوية يحملها .
قرر” الانتقالي” ان يفجر قنبلته هذه في وجه الجميع وكانت قرار “الإدارة الذاتية، يدرك الانتقالي صعوبة التنفيذ والنجاح بهذه الخطوة لكنها الخطوة الأخيرة لإبقائه على قيد الحياة.
قبلها بأشهر وقبل مغادرته لعدن قال عيدروس الزبيدي لمجموعة من أنصاره ان إيرادات عدن كلها لاتكفي حتى لشراء الوقود الخاص بمحطات الكهرباء.
ضرب الطاولة بيده وقال :” من يمنعنا من اخذ الإيرادات لكنها ليست حلا ..
كان الرجل واقعيا إلى حد كبير ما حدث لاحقا كان قفزة اضطرارية لكي لا يموت المجلس “سريريا”.
كانت قفزة إلى المجهول ، إلى الهواء لرجل في الدور الأخير من بناية مرتفعة تلتهمها النيران وسط ظلام دامس نتائجها غير معلومة لكن لا خيار سواها.
كان اتفاق الرياض هو الطريقة الوحيدة التي يمكن بها نقل العناصر المتضادة هذه على متن عربة واحدة صوب التسوية السياسية اليمنية الأخيرة .
كان خلط القوات ودمجها ببعضها وضمها للداخلية والدفاع خيارا مقبولا للذهاب بها صوب اتفاق التسوية الكبير .
حاول التحالف تطبيق اتفاق الرياض بطرق شتى لكن التناقضات كانت اكبر والخلافات أعمق، قرر التحالف أخيرا التخلص من كل الأطراف أو إضعافها للدرجة التي يمكن حملها على تطبيق اتفاق الرياض أو الذهاب إلى تسوية سياسية وهي منزوعة المخالب والأنياب!.
كان يجب حمل الجميع إلى صحاري أبين ..
وهناك اندلعت معركة زنجبار في فضاء ارض مفتوحة وخسائر سكانية منعدمة ، ما الذي سيخسره التحالف والمدنيون ..؟
لاشيء ..
ما الذي سيصل العالم من أخبار هذه المعارك؟ ..
لا شيء أيضا.. فالعالم منشغل بكورونا وقضايا أهم.
لا شيء إلا اليسير من الأخبار البسيطة هنا وهناك في حين على ارض الواقع يتم التخلص من اكبر ترسانة عسكرية ظلت هذه الأطراف المتصارعة تنجزها طوال 5 سنوات مضت .
ظهر الأحد أعلنت “بريطانيا” تعرض سفينة تجارية لهجوم مسلح في خليج عدن، سارع التحالف بعدها بساعات لاتهام الانتقالي بعرقلة نشاط خفر السواحل قبلها بأيام قليلة دعا مجلس الأمن المجلس الانتقالي إلى التراجع عن خطواته الأخيرة قبلها أيضا اتخذت السعودية قرارا بوقف استضافة المئات من عناصر الحكومة اليمنية في الرياض وفي الوسط اٌبلغ الآلاف من الجنود في المخا ومحيطها ان رواتبهم ستتقلص ابتدأ من الشهر القادم.
كل المؤشرات كانت واضحة للغاية ان الجميع يستعد للذهاب صوب التسوية الأكبر لذلك ثمة حاجة لتحالفات جديدة تكون داعمة للإتفاق الكبير ، عناصر الحرب يجب ان تغادر .
ثمة معارك على الأرض ترفع يافطات وعناوين مختلفة لكن الواقع الحقيقي لها أعمق بكثير من كل اللافتات ..
معارك ابين ستتواصل حتى يرى اللاعبون الدوليون أنها يجب ان تتوقف سيضغطون رز التوقف لها.
الخاسر فيها الطرفان سينتهي بهما الأمر إلى أطراف ضعيفة للغاية لن تستطيع ان تملي ايا من شروطها في المرحلة القادمة..
وحينما ستنتهي هذه الحرب ستكون كل الأطراف بلا سلاح ثقيل ولا دبابات ولاراجمات صواريخ وبلا جنود ولحظتها سيطبق اتفاق السلام الكبير دونما معوقات.
والى ذلك الحين نحن في الانتظار
فتحي بن لزرق
18 مايو 2020