نشر “المصدر أونلاين انجليزي” تقريراً للزميل “كيسي كومبز” تناول كيفية استخدام الحوثيين لسلاح الاتصالات في المعارك التي يخوضونها ضد القوات الحكومية في أكثر من محافظة يمنية. ويعيد “المصدر أونلاين” نشره.
أصبح حجب شبكات الإنترنت والهاتف المحمول في ساحة المعركة جزءاً طبيعياً من حرب الحوثيين – وهو سلاح صقله الرئيس السابق صالح واللواء علي محسن الأحمر خلال حروب صعدة.
في 22 يناير/كانون الثاني، بعد أربعة أيام من هجوم صاروخي نفذ من قبل الحوثيين أسفر عن مقتل أكثر من 110 جنديا حكومياً في معسكر تدريب للجيش على مشارف مدينة مأرب، أمر مسؤولو الاستخبارات الحوثية شركات الاتصالات الرئيسية في اليمن بقطع شبكات الإنترنت والهاتف المحمول في مساحات واسعة من أراضي خط المواجهة القريبة من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها المتمردون.
الأوامر التي صدرت عبر إيميلات تم إرسالها إلى مجموعة صغيرة من العاملين في إحدى شركات الاتصالات وفي رسالة البريد الإلكتروني، اطلع عليها المصدر أونلاين، بنسخته الانجليزية، ذكرت الأوامر ثلاث مناطق في محافظة صنعاء، ومنطقتين في محافظة مأرب، وخمس مناطق في محافظة الجوف، و”جميع المواقع المطلة على مناطق المواجهة”.
ولأن القوات الحكومية والقبلية التي تقاتل الحوثيين تعتمد بشكل كبير على خدمات شركات الاتصالات المركزية التي تتخذ من صنعاء مقراً لها للتواصل، فقد تمكن الحوثيون من حجب شبكات الإنترنت والموبايل لتحقيق ميزة عسكرية. كما أن انقطاع الاتصالات يحد من تدفق المعلومات بين المدنيين، مما يسمح للحوثيين بتشكيل روايات وشائعات مضللة عن مسار الحرب.
لم يتم رفع الحصار عن الاتصالات حتى أوائل مارس/ آذار، وفي ذلك الوقت كان الحوثيون قد عززوا سيطرتهم على العديد من المواقع التي وردت في البريد الإلكتروني لقطع الاتصالات عنها – والأهم من ذلك، “الحزم” عاصمة الجوف – وفقاً لسكان المناطق المتضررة وعامل اتصالات تلقى البريد الإلكتروني.
ومنذ ذلك الحين، وضعت جماعة الحوثيين نصب عينيها مأرب الغنية بالنفط – وفي الأسابيع الأخيرة، استأنفت قطع شبكات الاتصالات في مناطق هناك.
سقوط الجوف
تمت عمليات قطع الانترنت والاتصالات في الجوف على خطوات. في 23 يناير/كانون الثاني، توقفت شبكات الهاتف المحمول الرئيسية الثلاث في البلاد – ام تي ان وسبأفون ويمن موبايل – عن العمل في جميع أنحاء المحافظة. وبعد أقل من 10 أيام، دخلت اتصالات الإنترنت الارضية ضمن عملية القطع، وقطعت الهواتف الأرضية في 14 فبراير/شباط. ولم تعد أي من هذه الخدمات حتى سقوط مدينة الحزم في بداية مارس/آذار، وفقاً لمدير مكتب الإعلام في المحافظة يحيى قمع.
في أوقات مختلفة خلال فترة انقطاع الاتصالات التي استمرت شهراً في الحزم، كانت شبكات الهاتف المحمول تعمل لفترة وجيزة، وأفاد السكان بأنهم تلقوا مكالمات من أشخاص وصفوهم بأنهم موالون للحوثيين يقدمون تحديثات مضللة حول الاشتباكات الجارية.
وقال قمع”إنهم ينشرون شائعات عن سقوط مواقع رئيسية في الجوف واستهداف قيادات حكومية”، مشيراً إلى أن التضليل ساهم في الشعور العام بالذعر مع نزوح عشرات الآلاف من أبناء المحافظة.
وأفاد آخرون في “الحزم” بضربات صاروخية حوثية عندما كانت الشبكات المتنقلة تعيد الاتصال لفترة وجيزة، ويؤكدون أن المتمردين يستخدمون تكنولوجيا تحديد المواقع الخاصة بالهواتف الخليوية لتوجيه الصواريخ.
واضاف “كنا نواجه ميليشيا بقدرات دولة”.
يساعد انقطاع الاتصالات في تفسير سبب سقوط المدن الاستراتيجية والمواقع العسكرية التي كانت الحكومة المعترف بها دولياً والحلفاء القبليون الذين كانوا يسيطرون عليها منذ عام 2016 بهذه السرعة.
وبصرف النظر عن الاستخدام المحدود لأجهزة اللاسلكي من قبل وحدات الجيش، تعتمد عناصر القوات الحكومية إلى حد كبير على البنية التحتية للإنترنت والاتصالات المتمركزة في صنعاء للتواصل.
قال العديد من القادة لـلمصدر أونلاين الانجليزي إن الحصول على أدوات اتصال عسكرية متطورة كان أحد أهم طلبات الجيش اليمني التي تجاهلها التحالف.
منذ سقوط الحزم، كثف المقاتلون القبليون دورهم في الخطوط الأمامية للدفاع عن مأرب الى جانب الجيش، وكثفت المقاتلات السعودية غاراتها الجوية إلى مستويات لم تشهدها منذ منتصف عام 2018. وقد أدت الجهود المشتركة إلى إبطاء تقدم الحوثيين إلى الأطراف الشمالية والغربية من مأرب.
في منتصف أبريل/نيسان، منع الحوثيون شبكات الإنترنت والهاتف المحمول في ثلاث مناطق شمال غرب مأرب التي تؤدي عبرها الطرق السريعة الرئيسية من صنعاء والجوف إلى مدينة مأرب، مما يشير إلى تجدد محاولات التقدم نحو أحد أهم معاقل الحكومة.
وإذا حاول الحوثيون الاستيلاء على مدينة مأرب بالقوة، فمن المرجح أن يكون حجب الاتصالات جزءاً في هذه المعركة. ومن شأن القيام بذلك أن يقلل من قدرة الجيش والقبائل والمدنيين على تنظيم الدفاع عن المدينة التي يبلغ عدد سكانها 1.8 مليون نسمة. وعلى غرار ما حدث في عاصمة الجوف، فإن انقطاع الاتصالات عن مدينة مأرب من شأنه أن يؤجج الفوضى ويؤدي الى نزوح السكان من المدينة الصحراوية عبر الطرق السريعة .
وسيتم إسكات الصحفيين والمدنيين الذين يوثقون أعمال العنف.
وقال عبد الإله الحود، وهو صحفي مستقل كان في الحزم عندما استولى الحوثيون على المدينة: تسبب انقطاع الاتصالات او ضعفها إجهادا نفسيا كبيرا حيث تسمع اشاعات كثيرة عن المعارك إلى جانب عدم معرفة ما يجري فعلاً من حولك ولا تستطيع أن تتواصل وتنجز أعمالك التي تعودت تسهيلها بالهاتف أو أن تتواصل مع أهلك وعائلتك”.
تاريخ اليمن في انقطاع الاتصالات
إن استخدام الحوثيين للاتصالات السلكية واللاسلكية كسلاح ليس جديدا من نوعه في تاريخ اليمن، بل هو تكتيك خبره الحوثيون من قبل حين استخدمه ضدهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود.
أدرك الحوثيون فعالية انقطاع الاتصالات في ساحة المعركة خلال حروب صعدة بين عامي 2004 و2010. وكان جهاز الأمن القومي، ذراع صالح، يأمر بشكل روتيني بقطع شبكات الهاتف المحمول في معاقل المتمردين في شمال محافظة صعدة، في الوقت الذي هاجمت فيه قوات الجيش في محاولاتها لسحق حركة الحوثيين الناشئة.
في عام 2011، تنحى صالح عن منصبه بعد عام من الاحتجاجات الشعبية، وسلم الرئاسة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي كجزء من عملية انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة بوساطة المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى. ولكن بعد بضع سنوات، دخل الرئيس السابق الماكر في اتفاق سياسي مع الحوثيين في محاولة لاستعادة السلطة.
بعد وقت قصير من الاستيلاء على الحكومة المركزية في انقلاب عسكري في أواخر عام 2014، عمل الحوثيون وصالح في تنصيب الموالين كممثلي الأمن الوطني في شركات الاتصالات التي تتخذ من صنعاء مقراً لها للمساعدة في توسيع العمليات العسكرية في الحرب الأهلية الوشيكة.
وقد برز حجب شبكات الإنترنت والهاتف المحمول في العديد من الهجمات العسكرية الحوثية، بما في ذلك المحاولات الفاشلة للاستيلاء على مدينة مأرب في عام 2015، والحصار المستمر لمدينة تعز، ومعركة استمرت ستة أشهر على مدينة الحديدة على البحر الأحمر في عام 2018، والهزيمة الساحقة لمقاتلي قبيلة حجور في شمال غرب اليمن في منتصف عام 2019، وفقا لمهندس اتصالات سابق على علم مباشر بقطع شبكات الاتصال.
وأوضح أنه عندما تكون قوات الحوثيين على وشك شن هجوم عسكري جديد أو تحتاج إلى مساعدة خلال معركة مستمرة، يتصل مسؤولو الاستخبارات لإعطاء المواقع المراد حجب الاتصالات عنها إلى الموالين لها في شركات الاتصالات. وقال ” ان موظفي الراديو والبث يحددون هذه المواقع ثم يرسلون طلباً الى مشغلى الشبكة القادرين على حجبها عن بعد ومراقبة ما إذا كانت أية اشارات من مواقع اخرى يمكن ان تصل الى تلك المنطقة.
وأضاف أنه خلال فترة انقطاع الاتصالات، أصبح للقوات العسكرية الحوثية إمكانية الوصول إلى شبكتها الخاصة.
تفكك تحالف الحوثيين وصالح في نهاية المطاف في عام 2017، وبلغت ذروتها باغتيال الحوثيين للرئيس السابق في ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام. ومع سيطرة لا مثيل لها على العمود الفقري للاتصالات في اليمن في صنعاء، شدد الحوثيون قبضتهم على القطاع للقضاء على التهديدات التي يتعرض لها حكمهم تماماً كما حاول صالح القيام به خلال حروب صعدة.
الجنرال في الجيش علي محسن الأحمر الذي قاد حروب صعدة، هو الآن نائب رئيس الجمهورية المعترف بها دولياً. يقضي معظم وقته في اليمن في مأرب، ويشرف على أكبر تجمع لقوات الجيش في البلاد. ومع تردد أن الرئيس هادي يعاني من مشاكل صحية، يُعتقد أن علي محسن يلعب دور القائد العام المشرف على المعارك ضد الحوثيين خصوصا في المحافظات الشمالية. لكن في هذه المرة الحوثيون هم من يسيطرون على الاتصالات التي استخدمها في يوم من الأيام كسلاح ضدهم.