بقلم - سام الغباري
كأي وحشة مظلمة عزل الحوثي اليمنيين عن العالم منذ خمس سنوات بغارة دموية أسقطت عاصمتهم الجميلة، أول مدينة في الكرة الأرضية بعد الطوفان، قسّم أفراد المجتمع إلى طبقات متناحرة، ووسع شبكات الجريمة وجثم بثقل مذابحه العنصرية التاريخية على أنفاس شعب عظيم، وخنقت سُلالة أدعياء النسب العلوي أجهزتهم التنفسية، فاحتضرت أمة اليمن أمام سمع وبصر العالم.
لقد أصبنا بـ كورونا قبل أن يُبلى بها أهل الأرض بخمسة أعوام عجاف، تساقطنا في الطرقات كأعجاز نخل خاوية، وبلغ قلق الأمم المتحدة عنان السماء، دون أن تقدم شيئاً إلى اليمنيين سوى مزيد من القلق، وكأنه لم ينقصنا إلا أن نبادلهم ذلك القلق.
إننا حزانى، قتلى، وصرعى منذ نصف عقد كامل، نبوء بأوجاعنا إلى رب كبير، نشكو إليه تسلط سُلالة الفيروسات، فيغشاني موج من خيال، وأعدو في أحلامي معتكفًا على حالي في غرفة غير مبصرة، وأرى كورونا بأذرعه التاجية يحدثنا كرئيس لدولة ما، يأمر وينهى، تنتفخ أوداجه حتى يسيل منها قطر أخضر، وأهز ذراع صديقي المبهوت وكلانا نشاهد الفيروسات تمشي على الأرض وتحت إدارتها تخطو دبابات الجيوش وصواريخه لملاحقة المخلوقات العاقلة.
فرار وزعيق، صرخات جوعى واعتداءات بالجملة على أسواق الغذاء، وأزيز رصاص، وانفجارات متوالية، تنقلها شبكات التلفزة العالمية، ويظهر ترامب مفجوعًا من منصة البيت الأبيض، وقد زاد امتقاعه فأحال لون وجهه إلى البرتقالي الداكن، يتحدث عن خطورة تضرب استقرار العالم كأعتى زلزال مفاجئ، غير مصدق أن ما يحدث اليوم لأمة كاملة في الشرق الأدني قد حدث فعلًا، متسائلًا: أين قبائلهم؟ أين أطباؤهم؟ ثم تقرر الأمم المتحدة إرسال مبعوث بريطاني يدعى «مارتن غريفيثس» لإحلال السلام بين كورونا وذلك الشعب المقهور، فيكتشف مجلس الأمن أن معامل المفاعلات النووية سقطت في أيدي عصابة «كورونا»، ويُفجع العالم حقًا، ويصر «غريفيثس» على أنه يستطيع إحلال السلام، مطالبًا بمبالغ مهولة لتغطية نفقاته، وتدفع له الدول تحت ضغط ابتزازه العلني، فيما تتشكل مجموعات مقاومة لتعقيم الطرقات والأحياء ومحاربة الفيروسات بدأب عظيم، وينتقدها «غريفيثس» مؤكداً أن هذا التعقيم لا يناسب «خطته» لإحلال السلام، مطالبًا الأمم المتحدة الضغط على رئيس تلك البلاد الذي انتحى جانبًا إلى دولة مجاورة لقيادة معركة استعادة الدولة وإنقاذ شعبه الجميل.
زعيم الفيروسات، زعم أنه «سيد» تلك البلاد، وأن الله اصطفاه لعقاب «المنافقين من البشر»، وأنه من عائلة «إشراف كوفيد 19»، وبأنف أفطس تفوح منه رائحة كريهة، يتحدث الناطق الرسمي باسمه من أذنيه مؤيدًا خطة السلام التي تتيح وقف «العدوان» على تلك البلاد، وإيقاف أي محاولة طبية لاكتشاف علاج يقضي على سُلالة كورونا!، ويقع مجلس الأمن في الفخ مطالبًا بوقف أي أعمال «عنف» على الفيروس السُلالي الخطير، مؤكداً أنه يمكن «التعايش» مع كورونا وتثبيت وقف إطلاق النار، وفتح المعابر الآمنة لمرور احتياجات الماء والدواء، وتبادل الأسرى! فيما بقي صاحبي مبهوتًا متسمرًا على شاشة التلفاز يتابع تحور تصريحات السياسيين، وتذاكيهم على جرائم الإبادة الكورونية، صارخًا في وجهي: كيف يمكن التعايش مع سلالة قاتلة، جيناتها مجبولة على إلغاء الآخر وتدمير جهازه المناعي والتنفسي، أين عقل هذا المبعوث؟
ويضيع صراخ صاحبي وسط زحام المنافع، واستثمار الحرب لإنهاك اقتصاديات دول منافسة، يتلفت مذعورًا متسائلاً في حرقة: هل نحلم يا صديقي؟، ويهز جسدي بعنف، ثم يسقط باكيًا بين ذراعي، فأكفكف دمعه بأسى، متغالبًا على حزن فظيع يمزق أضلعي ويحيل بكاءنا معًا إلى نشيج مدوٍ.
في الشاشة المقابلة لغرفتي، كان زعيم الفيروسات يبتسم ساخرًا، يخطو متدحرجًا على أذرعه التي تشبه «القمع»، وحوله تنفث فيروسات سوداء وحمراء أبخرة كريهة من جوانبها، مضوا متبخترين في علو زائد، وقد تضخمت أحجامهم، فيما كان مذيع لغة الصم على قناة الجزيرة يُحرك أصابعه في عصبية متوالية مترجمًا أجزاء من خطاب زعيم الفيروسات بأنه لا ينطق عن الهوى!!، وفي أسفل الشاشة ظهر عاجل جديد كُتِب بلون أحمر صارخ: «كورونا الحوثي يؤكد أنه سيحارب إلى يوم القيامة»!
وإلى لقاء يتجدد