بقلم - يحيى اليناعي
لماذا تأخذ محافظة الجوف اهتماما لافتا على طاولة خامنئي وضمن جدول أعمال الحوثي منذ 9 سنوات فائتة وحتى هذه اللحظة؟
طيلة عام 2011م كانت الجوف ساحة لمواجهات مسلحة شنتها مليشيا الحوثي على القبائل ووحدات من الجيش.
وبعد سقوط محافظة عمران بأسبوع واحد فقط أوقف الحوثي تقدمه نحو صنعاء وانعطف شمالا للسيطرة على محافظة الجوف وعاصمتها “الحزم” في يوليو 2014م، وظلت الحزم في يده إلى أن استعادها الجيش الوطني في ديسمبر 2015م.
الحقيقة أن معركة محافظة الجوف ذات طابع مصيري، باعتبارها ثالث محافظة يمنية محاذية للسعودية تحاول مليشيا الحوثي السيطرة عليها بعد محافظتي صعدة وحجة؛ ضمن مخطط إيراني خطير.
ووفقا لمراكز دراسات دولية وصحف عالمية، فإن إيران تسعى لاحتلال جميع المناطق اليمنية التي تقع على حدود التماس مع المملكة، ومن تلك المناطق محافظة الجوف الواقعة قبالة نجران، والتي ترتبط مع السعودية بشريط حدودي يتجاوز ال 266 كلم.
قبل سنوات تحدث تقرير لموقع ال cnn الأمريكي عن مخطط إيراني لإقامة حزام شيعي على الحدود اليمنية السعودية يشمل عدة مناطق منها: صعدة-نجران-جيزان وباقي المناطق الحدودية.
وقال إن السيناريو الذي حذرت منه اليمن سابقا لجهة قيام حزام شيعي عند الحدود السعودية يبدو ممكنا.
ونقل التقرير عن الرئيس اليمني السابق صالح قوله إن الحوثيين يريدون إقامة منطقة شيعية على الحدود من نجران إلى جيزان مع عدة محافظات يمنية حدودية.
مؤسسة “نيو ايسترون أوك لوك” الروسية المتخصصة في تحليل الأحداث حول العالم وعلاقتها بالشرق الأوسط، قالت هي الأخرى في تقرير حديث إن إيران تنظر إلى المناطق الشيعية كطابور خامس محتمل داخل المملكة، وإن هذه الأقليات قد تستخدم من قبل إيران في أي مواجهة محتملة مع الرياض.
ودلل التقرير على ذلك بافتتاحية لصحيفة “خبر” الإيرانية كتبها محمد صادق الحسيني وقال فيها: إن أي حل للمسألة الشيعية في السعودية سيكون متسقا مع المصالح الإيرانية، وطالما كان الشيعة في خطر فقد يتمردوا في أي وقت، وبقية السيناريو سيسير بهذا الشكل : البحرين وأجزاء من اليمن والمناطق الشيعية في السعودية سيتوحدون مع الإسماعيلية في نجران بما يمكنهم من إنشاء دولة كبيرة.
التقرير قال إن افتتاحية الصحيفة الإيرانية تحدثت عن سيناريو تعرفه الرياض، وهو إحياء فكرة الدولة الشيعية العربية.
قريبا من ذلك قالت المحللة في مؤسسة الكلية الدفاعية للناتو “إليورنورا أردماغني” في دراسة لها قبل شهرين إن تحالف الحوثيين مع إيران والتطورات التي استجدت بعد 2015م أفضى إلى ترسيخ الشبكة الشيعية، وتبعا لذلك باتت المنطقة الحدودية السعودية-اليمنية بمثابة مجمع أمني.
موقع “الوقت” الإيراني في نسخته العربية-للموقع أيضا نسخ فارسية وإنجليزية وأردية- كتب تقريرا في 2 نوفمبر 2019م بعنوان: هل يلتحق الإسماعيليون بالمقاومة الإسلامية في اليمن؟ وقال إنه على إثر نجاح الانقلاب “وتسلم الحوثي مقاليد الأمور بصنعاء وجد الإسماعيليون الفرصة المناسبة للتخلص من الاضطهاد الديني الذي تعرضوا له على يد الأنظمة السابقة”.
وتحدث التقرير عن أن قادة الطائفة الإسماعيلية اليوم في اليمن والسعودية باتوا “أمام خيار استراتيجي واحد لا ثاني له وهو ضرورة الاصطفاف إلى جانب حركة -الحوثي- واللجان الشعبية، خصوصا بعد توفر الأرضية المناسبة لذلك، ونظرا لأن هناك أواصر اجتماعية وتاريخية عميقة تجمع الإسماعيلين وباقي الطوائف في اليمن”.
التقرير أشار إلى أن “الإسماعيلية تشترك مع الإثنى عشرية في مفهوم الإمامة”.
وكان “هادي القحص” اسماعيلي من نجران قد حضر مع الحوثيين بصنعاء في ما يسمى بالإعلان الدستوري.
القحص توعد في فبراير 2017م عبر موقع “صدى المسيرة” بأن البركان النجراني قادم، قائلا: انتظروا ثورتنا.
يأتي هذا في حين نشر إعلام الحوثي قصيدة مؤيدة لعبد الملك الحوثي على أنها من نجران، وبعد أن تداول الناشطون في 2014م مقطع فيديو يظهر احتفال إسماعيليون في نجران بسيطرة الحوثي على صنعاء.
يعد المشروع الايراني عامل جذب للأقليات الشيعية في المنطقة العربية، ليس على المستوى المذهبي بل والسياسي أيضا.
ليس فيما ورد أعلاه أي تحريض على أي جهة، بقدر ما يتضمن مقاربة للحقيقة، بناء على الوقائع ومجريات الأحداث، وبالاستناد لاعترافات إعلام إيران، وتحليلات مؤسسات دولية وصحف عالمية.
الحوثي وكيل إيراني نشط يرى تستخدمه طهران لزعزعة أمن واستقرار دول المنطقة كمقدمة لأبرز تجليات خروج ما يسمونه في معتقداتهم بإمام الزمان، كما نقل موقع “مسند” عن خطابات علنية وفعاليات أقامها اتحاد طلبة الحوثي في مدينة “قم” الإيرانية.
وقرار الحرب والسلم ليس بيده، بل بيد الولي الفقيه بطهران الذي يعمل على إقامة “الدولة الشيعية العربية” وفقا للصحيفة الإيرانية، وإبقاء أمن شبه الجزيرة والسعودية مهددا عبر مليشيات تنشط في الحدود الجنوبية في الفترة الراهنة.
إن كان ثمة حقيقة مضافة لما سبق تكشف عنها أحداث الجوف واليتمة الحدودية، فهي التأكيد بأن محاولات احتواء المليشيات الحوثية ومنع انفلات الصراع معها مجددا لا يقود إلا لنهايات فاشلة ومفتوحة بلا أفق، إذ التسوية والطاولة لا تلجم العصابات المسلحة بقدر ما تفتح شهيتها لالتهام المزيد من الأرض والانتقال إلى الجوار.
لا يمكن الحد من استمرار تدفق السلاح إلى الحوثي عن طريق الحل السياسي الذي لا يضمن نزع سلاحه وإنهاء الانقلاب، وقد أثبتت التجارب من العراق إلى لبنان إلى كل الدول التي تتواجد بها مليشيات مدعومة من إيران كيف يتحول السلاح الذي بيد هذه المليشيات إلى مهدد حقيقي لوجود الدولة، وكيف يمكن استخدامه في أي لحظة للانقضاض على كيان الدول المجاورة لمصلحة طهران.
ورغم تقلبات الأحداث منذ الانقلاب إلا أن حقيقة واحدة ظلت ثابتة حتى اللحظة، وستظل كذلك، وهي أن الحوثي جزء لا يتجزأ من مشروع إيران، ومهمته تطويع اليمن لسلطة خامنئي، وإدخال السعودية في حرب استنزافية طويلة المدى بما يعطي طهران مجالا للتحرك ومن ثم تنفيذ أجندتها وأطماعها التوسعية.