بقلم - أبو الحسنين محسن معيض
الانتقاليُ !! وما أدراك ما الانتقاليون !! . لم يكنْ وليدَ اللحظةِ ولا الصدفةِ . فمن خلال منجزاته وأطروحات رواده ، أكاد أجزم أنه محصلةُ تخطيطٍ استراتيجي عميق ، ووليدُ تنظيمٍ عريق ، ونتاجُ دهاءٍ عتيق .
كيف لا يكون هكذا ! والمتابعُ لأيدلوجية محتواه ، ومخرجاتِ خطاه سيدرك ذلك حتما . مُنِحَ -بمباركة رعاته- تفويضا مبتورا لتمثيل كافة الجنوب ، مزيحا به هاماتٍ عالية الانتماء ، وشخصياتٍ وثيقة الولاء .
ومن تبينت له الحقيقةُ منهم ، فعارضَ ونقدَ ، باغته الطابورُ المختصُ بأقذع ألفاظ الخيانة والعمالة ، والسخرية والتشويه ، حتى يلزمَ مكانه بُكماً ، ويعتزلَ زمانه صُماً . يَقتُلُون ، يَغتَالون ، يَخطَفُون ، يَعتَقِلُون ، يَقتَحِمون ، يَنهَبون ، يُهَدِدُون ، ويَعبَثون . ثم يختلقون عذرا ومبررا لكل جريمة ورزية .. أن ذلك لابد منه لاستعادة الحقوق والهوية ، وتحقيق الاستقلال والحرية ، وتثبيت النظام والسيادة .. ثم يُسقِطون سوءَ أفعالِهم تلك على غيرهم ممن خالفَهم في حكومة الشرعية ، أو على شماعتهم المفضلة ، تنظيم الإصلاح ومليشياته الأخونجية .
لديهم نرجسيةٌ لا حدود لها ، وانفصام لا علاج له . تخريبُهم تعمير ، وتنميةُ غيرهم تدمير . جرائمُهم أمنٌ وتأمين ، ومآثرُ الآخرين فتنةٌ وتخوين .
تمردُهم هيبة وقوةٌ ، وإجراءاتُ خصومهم مهانةٌ وسطوة . تعذيبُهم للموقوفين تثبيتٌ للنظام ، وتحقيقاتُ الأمن هدمٔ لكرامة الآنام . مداهماتُهم بطولة وحقٌ ، وملاحقاتُ السلطةِ باطل وظلم . مليشياتُهم صمامُ أمانٍ ، والجيش والأمن إرهابٌ وانتقام .
طردُ الرئيس من عدنَ ملحمةٌ ثورية مباركةٌ ، وانعقادُ مجلسِ النواب في سيؤون عمالةٌ مشينة . احتضانُهم طارق والحرس في عدن ضرورةٌ وطنية ، ووجودُ قوات الشرعية اليمنية في شبوةُ خيانة للقضية .
اليوم في شبوة تسطرُ السلطةُ ملحمةَ التنميةِ والبناء ، محققةً في وقتٍ وجيز ما لم يحققه غيرُها في عقود ، وتَخرجُ قواتُ الأمن لتحقنَ الدمَ ، وتقيدَ المجرمَ ، وتستعيد الممتلكاتِ من محتليها ، والحقوقَ من ناهبيها ، ولكن كل ذلك لم يعجب مخرجي تمثيليةِ الأحلام ، ولم يوافق هوى بائعي الأوهام ، فذهبوا ينشرون غسيلَ إعلامِهم النتنَ المعروف ، ليجعلوا للأبيض سطوعا ولمعانا أكثر مما كان .
اليوم كثيرون ممن كانوا يأملون خيرا في المجلس الانتقالي ، ويضعون ثقتَهم فيه ، قد تغيرت قناعتُهم وتبدلت مواقفُهم ، لقد أدركوا جيدا أنه مكونٌ لا يرعى حقا مصالحَهم ويحمي حقوقَهم ، بل يرعى مصالحَ غيرهم ، ويحمي وطنا غيرَ وطنِهم ، ويتكسبُ بهم ثروةً له ، ومنزلةً خاصة به .
وإن كلَ ما حققه لهم مزيدا من التفرق والتمزق ، والتنازع والصراع ، والخلاف وعدم الوفاق ، وماخُفي لهو أعظم .
لقد آن لهذا المجلسِ أن يتقاعدَ ويختفي ، فإن كانت مهمتُه الظاهرةُ نصرةَ الجنوبِ وأبنائه ، فهو قد فشلَ أيما فشل ، فليرحلْ . وإن كان مخططُه تدميرَه وتشتيتَ أهلِه ، فقد وصل ، فليغادر منهيا مهمته .
ولليمن عامة ، والجنوب خاصة ، ربٌ يحميه ، ومولى يحفظُ شعبَه ويلطفُ به .