أكثر من سنتين وأربعة أشهر مرت على انطلاق العمليات العسكرية التي أطلقتها السعودية في إطار ما يسمى بـ”التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن” في 26 من مارس/آذار من عام 2015، بعد يوم واحد من وصول مليشيات الحوثي والمخلوع إلى العاصمة المؤقتة عدن، ومغادرة الرئيس عبد ربه هادي وتقديم طلب التدخل من السعودية.

كان الهدف واضحًا للتدخل العسكري وهو استعادة الشرعية وإخضاع الانقلابيين للدولة اليمنية، ولكن انحرف مسار العمليات العسكرية وتغيرت الأهداف، مما ولد الشكوك لدى اليمنيين في جدية التحالف العربي في حسم المعركة وإعادة الشرعية وتثبيتها، خصوصًا بعد بروز النزعة الانفصالية وإعلان تشكيل ما يسمى بالمجلس الانتقالي لإدارة الجنوب بعد أن أطاح الرئيس بمحافظ عدن ووزير يدينين بالولاء لأبو ظبي.

قبل سنتين من الآن تمكنت قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية بدعم التحالف من تحرير مدينة عدن التي أعلنها الرئيس عاصمة بديلة عقب تمكنه من الفرار من صنعاء، وكانت سيطرة الشرعية على عدن بمثابة بداية لاستعادة الدولة اليمنية كاملة من المليشيات المدعومة من إيران، ولكن العمليات العسكرية لم تستمر على نفس الوتيرة، فبعد تحرير عدن واصلت قوات الشرعية والتحالف تقدمها في المنطق المحيطة بعدن وتوقفت في منطقة “الشريجة” الواقعة بين محافظتي لحج وتعز في حدود ما قبل الوحدة بين شطري الشمال والجنوب وحينها بدأت تتكشف أهداف دولة الإمارات ونواياها المشبوهة.

دأبت القوات الإماراتية الموجودة في عدن على دعم بناء تشكيلات غير نظامية، وتضييق الخناق على فصائل المقاومة، ودعم وسائل إعلامية ذات نزعة انفصالية، وإثارة النزعات المناطقية، وإخضاع المؤسسات الحكومية لهذه المكونات، بعد موجة اغتيالات طالت قيادات وأفراد من المقاومة والجيش ومسؤولين حكوميين، فيما عملت على إفشال أي عمليات عسكرية في الشمال، وذهبت إلى حضرموت التي لم تصل إليها المليشيات الانقلابية بحجة محاربة القاعدة، وقامت ببناء كيانات عسكرية انفصالية أخرى، إضافة إلى دعم فصائل مسلحة سلفية عقائدية بالسلاح والآليات والمال كما هو الحال في تعز، فيما ترفض دعم الجيش النظامي متذرعة بحجج واهية.

في ذات الوقت بدأت بالتمدد إلى الجزر اليمنية والمناطق الواقعة على باب المندب، وشرعت ببناء قواعد عسكرية دون علم الحكومة الشرعية، ودعم مكونات لا تخضع للشرعية بشكل معلن في ظل الإبقاء على الوضع في مرحلة اللاحرب واللاسلم، فيما الشعب اليمني يرزح تحت نيران المليشيات الانقلابية في وضع إنساني صعب للغاية، وحالة من الإحباط تخيم عليه بعد أن اتضح أن للإمارات أهداف ومشاريع خاصة لا علاقة لها باستعادة الشرعية، فالرئيس اليمني لم يتمكن من العودة إلى عدن بعد أن بدأت شرعيته تواجه انقلاب آخر في الجنوب وحليف يتصرف بطريقة المحتل.

عملت الإمارات على إطالة أمد الحرب لكي تتمكن من التمدد في المناطق الساحلية الواسعة لليمن والسيطرة عليها والتحكم بها، مستغلة انشغال المملكة العربية السعودية بترتيباتها الداخلية ومواجهة مليشيات الحوثي في حدها الجنوبي، حتى دخلت الحرب في هذه المرحلة من التيه وغياب الرؤية مع اختلاق مشاكل جانبية بين المكونات السياسية الداعمة للشرعية، تهدف من خلالها إلى إضعاف الشرعية وتفكيكها والدفع نحو تسوية سياسية وسلام هش يعيد رموز النظام السابق إلى رأس الدولة بعد كل هذا الدمار والدماء.

فقد أعاقت تحرير مدينة تعز الواقعة تحت حصار مطبق من المليشيات الانقلابية لأكثر من مرة ومنعت استكمال تحرير مأرب وأوقفت العمليات العسكرية في منطقة “نهم” التي تبعد عن قلب العاصمة صنعاء مسافة لا تزيد عن 20 كيلومترًا، فيما تعمل على إعاقة وإفشال محاولات الحكومة في تفعيل المؤسسات الحكومية في المناطق المحررة، وتمارس أساليب الابتزاز على الرئيس هادي وفرض الإملاءات والتدخل في صلاحياته، وعدم التعامل معه كصاحب الأرض والشرعية التي منحتهم شرعية الوجود.

تمضي الإمارات في مشروع وأد ثورات الربيع العربي وإعادة رموز الأنظمة السابقة من خلال الانقلابات، وهو ما أدخل المنطقة في متاهات الحروب الطائفية والمذهبية، وأتت بإيران إلى خاصرة المملكة في الوقت الذي تتدعي أنها تحارب المد الشيعي الإيراني في المنطقة.

قبل أيام قال الجنرال السعودي السابق “أنور عشقي” في حديث تليفزيوني إن مليشيات الحوثي لم تف بوعدها الذي التزمت به لإحدى الدول العربية “في إشارة للإمارات” التي دعمتها بغرض استهداف فئة معينة قبل الانقلاب، ويقصد بالفئة “حزب الإصلاح” أحد أبرز مكونات الثورة اليمنية وأقوى مكون سياسي داعم للشرعية الآن سياسيًا وعسكريًا وشريك  التحالف في الحرب على الانقلابيين، ولم يمنع ذلك من استهدافه من قبل الإمارات، فقد وجهت وسائلها الإعلامية والتابعة لها لاستهدافه والنيل منه من خلال تحميله الإخفاقات العسكرية وكيل التهم الكيدية ضد رموزه.

كان واضحًا أن انقلاب الحوثي والمخلوع صالح مرتبط بانقلاب مصر وليبيا، فقائد الحرس الجمهوري السابق نجل المخلوع كان سفيرًا لدى الإمارات قبل الانقلاب وكان عضوًا في خلية الأزمة التي شُكلت لإجهاض الربيع العربي وتتخذ من أبو ظبي مقرًا لها، في أعقاب انقلاب مصر قدمت الإمارات لنجل المخلوع شحنة سيارات دفع رباعي عسكرية قدرت بنحو 400 طقم إضافة إلى الدعم المالي، وما زال نجل المخلوع مقيمًا في الإمارات التي تدعي أنها جاءت لمحاربة الانقلابيين، وهذه الازدواجية مثيرة للتساؤل عماهية الرؤية التي تعمل بها السعودية في الملف اليمني.

الوضع الحالي في اليمن معقد من كل النواحي ويزداد سوءًا يومًا بعد آخر نتيجة تداخل المصالح والأهداف وتعدد الأطراف وغياب الرؤية لدى السعودية في كيفية إدارة الحرب والتصرف كقائد ذكي، وحسم المعركة عسكريًا، وإخضاع الانقلابيين للقرارات الدولية، فالانقلابيون ليسوا بتلك القوة العسكرية التي يتخيلها البعض، تأخير الحسم العسكري أو الدفع نحو تسوية سياسية متعلق في تسليم السعودية الملف اليمني للإمارات التي لديها أهداف غير الأهداف المعلنة للتحالف العربي، فيما بات دور السعودية ثانوي مقارنة بدور الإمارات التي تلعب على المكشوف وتسيطر على الأرض وتدير العمليات بما يتوافق مع مشروعها على حساب السعودية والشرعية معًا.

كل المؤشرات والوقائع على الأرض تشير إلى أن السعودية أخفقت في إدارة الحرب في اليمن ولم تحقق الأهداف المرجوة، فاليمن يتجه نحو التشطير والتفتيت بعد أكثر من سنتين من الحرب الطاحنة والمجاعة وتفشي الأوبئة، مع تراجع إمكانيات الحسم العسكري في ظل الأزمة التي تعصف بالخليج وظهور مشاريع الإمارات الخاصة وسيطرتها على قرار التحالف، فيما لو وجد مشروع سلام سيكون سلامًا هشًا سيجعل من اليمن نموذجًا آخر من لبنان، وسيكون هنالك حزب الله آخر، وسيكون اليمن أمام جولات من الحرب واللااستقرار مستقبلًا.

محاولات إضعاف الشرعية وتفكيك منظومتها الذي ترعاه الإمارات هو استهداف للسعودية، لأنها جاءت تحت مظلتها، والانحراف عن أهداف التحالف سيضع السعودية أمام مسؤولية أخلاقية وسيجعلها في موقف ضعيف أمام التحديات التي تواجهها، إضافة إلى أن التهديد القادم من الحدود الجنوبية (شمال اليمن) سيبقى قائمًا وأقوى مما كان سابقًا، فيما ستكتفي الإمارات بسيطرتها على الجنوب اليمني والمواني والجزر وممر التجارة العالمي لتأمين عمل مواني دبي دون منافس أو منازع.

وأما إيران ستجدها مناسبة للاحتفال بالانتصار وبأقل الخسائر، وبين كل هذا سيكون الشعب اليمني الخاسر الأكبر وضحية خصم أخرق متجرد من الوطنية وحليف انتهازي، استغل لحظة ضعف الشعب اليمني ووجدها فرصة لتحقيق مكاسب لم تستطع بريطانيا التمسك بها في أوج قوتها وهيمنتها وسبقها البرتغال والعثمانيين، وحال اليمنيين اليوم كالمستجير من الرمضاء بالنار.

والسؤال الأبرز الذي يتداول في أوساط اليمنيين، هل السعودية متماهية مع الرؤية الإماراتية وراضية عما آلت إليه الأوضاع، أم أنها تتجنب التصادم مع الإمارات في ظل تعدد مشاكلها الداخلية والخارجية؟