حصاد السنوات العجاف.. شرعية مذبوحة وتحالف من “ورق” (تقرير)

15 أغسطس 2019
حصاد السنوات العجاف.. شرعية مذبوحة وتحالف من “ورق” (تقرير)

تمر اليمن بفترة بالغة الصعوبة والتعقيد بعد نجاح مليشيات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً بتنفيذ انقلاب عسكري ناجح ضد الحكومة الشرعية في مدينة عدن، وسيطرته على مختلف المواقع فيها.

وبنجاح هذا الإنقلاب يمكن القول أن البلاد دخلت في نفق مظلم، خاصة وأن هذا يعد ثاني تمرد عسكري ناجح ضد السلطات الشرعية بعد أن أطاح المتمردون الحوثيون بها من الحكم في صنعاء عام 2014م.

ويتخوف عموم اليمنيين على مستوى البلاد من مصير مجهول جراء هذه التداعيات الأخيرة، وإمكانية أن تؤدي الى تشظي وانهيار الدولة اليمنية بشكل كامل، مع تصاعد موجة النعرات المناطقية والتلويح بفرض لغة الأمر الواقع وتثبيت الانفصال بقوة السلاح.

أما الشرعية التي أصبحت، بحسب مراقبين، في أوهن وأضعف فتراتها، فهي أمام خيارات صعبة ومرة: إما شرعنة الواقع الجديد على الأرض وتقاسم “كعكة” السلطة مع الإنفصاليين بانتظار انقلاب ثالث يزيحها تماما من المشهد، أو إعلان رفضها للتمرد في عدن، وهو ما قد يدفع (الانتقالي) ومن ورائه أبوظبي الى إسقاط بقية المدن التي لا تزال – شكلياً – تحت سلطة الشرعية.

وهنا لابد من التأكيد على الحقيقة الساطعة: الشرعية كانت ولا تزال المتسبب الأول بكل خيباتنا وانكساراتنا على الأرض. وكما عصفت بأحلام الدولة المدنية في لمح البصر بصنعاء بعد انهزامها أمام مليشيات الحوثي، تكاد الآن تطيح بمنجز الوحدة اليمنية، في أكبر خيانة وطنية تمارس بحق الشعب اليمني.

وفي كلا الانقلابين حدث الأمر دون مقاومة ودون قتال. كان ذلك جلياً مع سخرية بالغة المرارة ساقها الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله قائلا: “حدث بإتقان وسرعة شديدين. وبأقل التكاليف المادية والبشرية”. ثم عاد ليؤكد على وهن الشرعية اليمنية وهشاشتها قائلاً: “مرة أخرى يؤكد الرمز الدولي (971) أنه إذا قال فعل”. وكأنه يقول لنا: كما هزمناكم دون قتال في صنعاء كررنا انتصارنا عليكم دون قتال في عدن.

غير أنه وبمراجعة أداء السلطة الشرعية خلال الأعوام الماضية، تتكشف مكامن الخلل الفادح والقصور الهائل في إدارة ثلاثة ملفات رئيسية وهي: ملف الدولة المحررة وملف المعركة مع الحوثيين ملف العلاقة مع التحالف العربي، وفي المجمل كان من الطبيعي أن المقدمات المختلة والإدارة الفاسدة لن تؤدي إلا الى هزائم أكبر.

  • ملف إدارة الدولة المحررة

لا يختلف اثنان على فساد منظومة السلطة الشرعية حتى قبل انقلاب الحوثيين على السلطة، لكن المفارقة هنا هي أن حجم الفساد، وبكل صوره، قد تضخم بشكل مهول بعد الانقلاب.

حكومة الفنادق

لعل أبرز مظاهر الخلل الكبير في أداء الحكومة الشرعية كمنظومة سلطة ممثلة عن تطلعات اليمنيين في التحرر من الانقلاب الحوثي هو إدارتها لهذه الحرب المصيرية من خارج حدود البلاد، حيث تتواجد في العاصمة السعودية الرياض.

ولطالما وصفت الحكومة الشرعية طوال السنوات الماضية بحكومة الفنادق، التي تدير معركة ودولة عبر مجموعات “واتساب” من داخل غرف مكيفة، فيما يدير أعداؤها المتربصون بها المعركة من الأرض، سوءاً في صنعاء أو في عدن.

  • رواتب الحكومة بالدولار

كعادة كل الحكومات المنسلخة عن الواقع المرير في المحافظات المحررة جراء تحركات المليشيات على الأرض، أو جراء الوضع المعيشي البائس الذي أثقل كواهل معظم اليمنيين بسبب الأزمات الاقتصادية وتدهور قيمة العملة الوطنية، ظلت الحكومة الشرعية مغيبة طوال الأربع السنوات عن كل هذه التراكمات التي سهلت في النهاية للإمارات بالإطاحة بها.

ويكمن الخلل الأساسي في طبيعة الرواتب التي يتسلمها المسئولون في هذه السلطة، حيث تضخ السعودية رواتب كبيرة لهم وبالعملة الصعبة. هذا كله أدى إلى طفرة مالية في جيوب النافذين. لهذا ففي الوقت الذي يعاني فيه آلاف الجنود من توقف رواتبهم لأشهر عديدة، ترى مسئولاً في الشرعية وهو يفتتح محلاً للأدوات التجميلية في قلب الرياض، أو ترى آخر وهو يقيم احتفالاً باذخاً لنجله العريس في إحدى العواصم العربية.

وتشير التقارير إلى أن الفساد نخر جسد الشرعية من أعلى هرم فيها حتى أدنى موظف لديها. ولعل أبرز شاهد على حجم هذا الفساد المروع هو الفضيحة التي طالت محافظ البنك المركزي السابق محمد زمام، حيث قام بعمليات مضاربة للعملة الصعبة وجنى فارقاً قدره تسعة مليارات ريال يمني خلال أقل من شهر واحد.

ولو عاينّا الأرقام، فإن التقارير تشير إلى أن الوزير يتسلم راتب يصل إلى (8 آلاف دولار أميركي) أي ما يعادل 4 ملايين ريال يمني تقريباً، بينما راتب نائب الوزير 6 آلاف دولار في ظل وجود عشرات النواب والوكلاء والمستشارين لكل وزارة، فيما هناك أيضاً ما يسمى بالوكيل المساعد أو المستشار من الدرجة نفسها، فيما هناك ما يعادل قيمة الراتب وربما أكثر شهرياً تذهب لكل مسؤول خصوصاً المقيمين في الرياض والقاهرة مقابل ما يسمى نثريات وبدل سفر، وكذلك بدل إقامة إضافة إلى مكافآت عند حضور أي فعاليات أو مؤتمرات خارجية.

 

  • التعيينات لمقربين أو لغير اصحاب الاستحقاق (المتسلقين)

ولأن الفساد هو آفة الآفات وسبب أساسي لكل اعتلال في الدولة، كان من الطبيعي أن نلحظ ذلك الإعتلال في جملة قرارات التعيينات التي أصدرتها الحكومة الشرعية خلال الفترة الماضية. وفي هذا الملف بالذات ظهرت فضائح مدوية عبر تعيينات مبنية بالمحسوبية والقرابة أو حتى عبر شراء تلك المناصب بالعملة الصعبة، والفائز بالقرار هو صاحب أعلى عطاء.

وهكذا شاهدنا مثلاً ابن وزير الدفاع محمد المقدشي واسمه (هشام) في منصب الملحق العسكري بسفارة اليمن في واشنطن، أو أسامة ابن وزير الخارجية السابق عبدالملك المخلافي في منصب السكرتير الأول بوزارة أبيه، أو سكرتير الرئيس هادي، والذي عيّنت زوجته سحر غانم كسفيرة لليمن في هولندا أو أو … . في الواقع الأسماء كثيرة للغاية ولا حيز لذكرها هنا.

حكومة للأطفال

وتعليقاً على هذا التقاسم للمناصب قال عضو مؤتمر الحوار الوطني سلطان الرداعي: “المحسوبية في التعيينات بشكل عام، وخاصةً تعيين الأقارب، تجعل الدولة تُدار لصالح مجموعات محددة وليس لصالح الشعب، وهنا تكمن خطورة كبيرة جداً، في أن عموم أفراد الشعب يفقد ثقته بالحكومة؛ بل ويصبح غير قادر على التضحية في سبيل هذه الدولة وينصرف لمصالحه الشخصية”.

أما الطامّة الكبرى، بحسب ناشطين، فهي قيام الشرعية بإصدار قرارات تعيين لوكلاء أو مستشارين أو حتى في المناصب القيادية الأولى في الحكومة لشخصيات لا تدين أصلاً بالولاء للحكومة الشرعية. ولهذا فمن الطبيعي أن تجد مسئولاً في الشرعية يتحدث في أحدى القنوات مناصراً الإنقلاب الذي جرى في عدن ضد الحكومة التي تعطيه مرتبه آخر الشهر وبالعملة الصعبة، في مشهد عبثي لا يحدث إلا في الشرعية دون غيرها.

  • نهب الثروة الوطنية والمال العام

لم تكتفي الحكومة الشرعية طوال فترة اغترابها “النضالي” في الخارج بما تتحصل عليه من مرتبات مهولة، بل وصل بها الأمر حد نهب وتبديد الثروة الوطني وسرقة المال العام دون حسيب أو رقيب. فعلى مستوى الفساد والعبث في شركات النفط وتحديداً شركة صافر للنفط في محافظة مأرب، فيقول أحد موظفي الإدارة العامة، إن راتب مدير الشركة سالم الكعيتي الرسمي يقدر بأكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون ريال يمني، ومثله كذلك مدير شركة الغاز في المحافظة، كما أنهم مخولون باعتماد مبالغ أخرى لأنفسهم تعادل مرتباتهم وذلك كنثريات ومصروفات شخصية.

ويتحجج المسئولون في الحكومة بالعجز وشح الموارد لدفع مرتبات موظفي الدولة في المناطق المحررة فقط بانتظام، فيما يمكن لمرتب واحد من مرتبات المسئولين أن يغطي مرتبات المئات من الموظفين وفي مقدمتهم الجنود المناط بهم تحرير البلاد ببطون خاوية.

وكان محافظ عدن السابق، عبد العزيز المفلحي، أول جهة رسمية حركت ملف الفساد ضد رئيس «المجلس الإنتقالي»، اللواء عيدروس الزبيدي، حين اتهم الأخير بـ«الاستيلاء على مبالغ كبيرة بالعملة الصعبة، جاءت من أجل معالجة ملف الكهرباء والخدمات في مدينة عدن». وأشار، حينها، إلى أن الحكومة «أحياناً تخجل من ذكر هذه الأمور».

  • ملف المعركة ضد الانقلاب الحوثي

أدارت الحكومة الشرعية معركتها المصيرية ضد جماعات التمرد الحوثي المسيطرة على صنعاء ومعظم من الشمال بشكل كارثي، وشاب أداءها في هذا الملف المفصلي اختلالات مريعة، ساهمت في إطالة أمد المعركة حتى الآن.

وهنا يجدر القول أن الحكومة الشرعية ليست الطرف الوحيد الملام، بل إن اللوم الأكبر بحسب مراقبين ينصب باتجاه التحالف العربي وعلى رأسه السعودية والإمارات.

  • تدمير ممنهج للجيش

تعرض الجيش الوطني اليمني طوال الفترة الماضية الى تدمير ممنهج استهدف في الأساس نسف عقيدته القتالية المتمثلة في محورية الدور المناط إليه لكسر انقلاب الكهنوت في الشمال.

في بدايات العام 2015م، تأسست نواة الجيش الوطني عبر تجمع ثلة من القادة العسكريين المخلصين، والذين رأوا دولة ثورة الـ 26 من سبتمبر وقد انهارت تحت أقدام المليشيات. وتوافد اليمنيون من كل حدب وصوب للانضواء تحت لواء جيش التحرير، غير أن الفساد الضارب في جسد الحكومة الشرعية  وتبعيتها المطلقة للتحالف العربي أحدث شرخاً عميقاً في العقيدة القتالية للجيش، سواءاً على مستوى القادة أو الجنود.

هذا فضلاً عن حالة التجويع المتعمد لجميع وحدات الجيش الزطني، والتي تركت لأشهر بدون مرتبات وأريد لها أن تواصل القتال ببطون خاوية.

أما التحالف سعى لتدمير الجيش الوطني وقدراته منذ الوهلة الأولى. أوقف القتال في الجبهات المتقدمة مع الحوثي بشكل تام. وبدلاً من تركيز الجهد على تحرير الأرض اليمنية استقدم التحالف وبموافقة من الحكومة الشرعية الآلاف من الجنود الى الحد الجنوبي للسعودية للدفاع عنها.

كما طفت على السطح مشكلة لا تقل خطورة؛ فالتحالف رفض وعلى مدار السنوات الماضية تزويد الجيش الوطني بالسلاح النوعي والثقيل، والذي من شأنه أن يحسم الصراع مع الحوثي في ظرف وجيز. في الوقت ذاته كان الحوثيون يتلقون كافة أشكال الدعم المادي والنوعي، واليوم باتوا يتباهون بترسانة الصواريخ والطيران المسير الذي بات بحوزتهم.

  • عرقلة التقدم في الجبهات وضربات استباقية

انطلقت عملية عاصفة الحزم التي شنها التحالف في اليمن في مارس 2015م. بعدها بنحو ثلاثة أشهر استطاعت قوات المقاومة الجنوبية والجيش الوطني تحرير مدينة عدن من سيطرة مسلحي جماعة الحوثي. وفي فبراير من العام التالي، أي بعد نحو عام واحد استطاعت قوات الجيش الوطني من تحرير معسكر فرضة نهم، الواقع على المدخل الشمالي الشرقي للعاصمة صنعاء.

ومنذ ذلك الحين توقف التقدم العسكري للجيش الوطني، وأصبح متقوقعاً في مناطقه المحررة حتى اليوم.

وفي هذا الصدد يقول الصحفي محمد مارم: المتتبع لخط تقدم الجيش الوطني في معركته ضد الانقلاب الحوثي يدرك أن التحالف العربي كان قد غير أولوياته تماماً بعد عام واحد فقط من انطلاقة العاصفة. الإمارات اكتسبت موطئ قدم جنوب اليمن، وأقنعت السعودية بأن بقاء الوضع على ما هو عليه سيمكنهما من التحكم تماماً بهذا البلد المضطرب.

يؤكد ذلك تصريحات رئيس دائرة التوجيه المعنوي السابق، اللواء محسن خصروف، والذي أكد في تصريحات تلفزيونية قبل أسابيع بأن التحالف العربي لا يسند الجيش الوطني كما تسند إيران جماعة الحوثيين في صنعاء.

وأضاف: التحالف العربي لم يأتمنا كجيش وطني على السلاح الثقيل (المدفعية الثقيلة أو الدبابات أو المقاتلات الحربية) ويرفض دعمنا بهذا السلاح النوعي الذي يمكن أن يحدث فارقاً في معركتنا ضد الحوثيين.

يجدر الذكر أن تلك التصريحات قد أطاحت به مباشرة، حيث أصدر الرئيس هادي في اليوم التالي قراراً جمهورياً بإقالته وإحالته للتحقيق بسبب “إساءته لدور التحالف العربي المساند للشرعية”.

  • جيش (وهمي) وأرقام فلكية

تعد المؤسسة العسكرية التابعة للشرعية واحدة من أخصب بيئات الفساد في اليمن.

وهنا لابد من استذكار تصريحات وزير الدفاع نفسه الفريق الركن محمد المقدشي، إذا قال في إبريل الماضي أن ” الجنود الفعليين لا تتجاوز نسبتهم الـ 30 بالمائة فقط من القوة البشرية في الجبهات، بينما 70 بالمائة من منتسبي الألوية والوحدات العسكرية يتواجدون في منازلهم”.

وتشير التقارير إلى أن حجم الفساد الإداري والمالي في الجيش الوطني بلغ ذروته ليصل إلى 4 مليارات ريال شهريا تذهب إلى هوامير الجيش والقوى النافذة. وتقول مصادر عسكرية، إن الجيوش الوهمية حطمت الأرقام القياسية، حيث تم إعداد قوة على الورق في كشوف المرتبات ولا وجود لها على أرض الواقع، فهي مجرد أرقام وهمية للقوى البشرية في قوائم الجيوش ولا أساس لتواجدها في المعسكرات والجبهات القتالية وفي القوى الفعلية للجيش.

  • الخضوع لسياسات التحالف الكارثية

يمكن القول أن التحالف العربي يتحمل الوزر الأكبر في إطالة أمد الحرب ضد جماعة الحوثيين في صنعاء. غير أن اللوم ينصب نحو الشرعية باعتبارها الطرف المعني بتحرير البلاد أكثر من غيرها. توقف الجبهات في مناطق حاسمة وفي فترات حساسة – كجبهتي نهم وصرواح – أو حتى جبهة الحديدة مؤخراً جاء بإرادة من التحالف ذاته، والذي لطالما غرق في حساباته الضيقة وأغرق معه اليمن طوال هذه السنين العجاف. لكن الحكومة اليمنية تصرفت وكأنها “أطرش في الزفة” أو “شاهد ما شفش حاجة”، وبدلاً من أن تواجه التحالف وتصر على إكمال مشروع التحرير أذعنت ورضخت لكل الإملاءات التي فرضت عليها، وهو ما يكشف مدى الإنهزامية والتبعية العميقة في هذه السلطة.

ولابد هنا من الإشارة إلى نقطة جوهرية، وهي الخذلان الكبير الذي تعرّض له عدد من قيادات الدولة المخلصين من قبل الحكومة الشرعية، سواءاً في القطاع المدني أو العسكري. ولا غرابةأن هذا الخذلان كان ناجماً عن إملاءات من التحالف العربي الذيرأى أن هذه الآراء تهدد مصالحه ونزواته فيا اليمن.

القائمة طويلة والخيانات كانت بحجم الخذلان وبحجم الطاعة العمياء لتحالف ينساق وراء أطماع ورؤى دولة الإمارات. في البدء كان الصمت الحكومي المخزي عن حادثة مقتل أكثر من سبعين ضابطاً وجندياً في معسكر العبر مارب في شهر يوليو عام 2015م، كان على رأسهم العميد أحمد يحيى الأباره، أحد مؤسسي النواة الأولى للجيش الوطني.

صلاة الجنازة على شهداء معسكر العبر

حينها خرج التحالف ببيان مقتضب مفاده أنه كان استهدافاً خاطئاً وغير مقصوداً. أما الشرعية فقد وضعت رأسها في الرمل كالنعام وكأن طرف محايد غير معني بما جرى.

بعدها ابتدأ مسلسل الخذلان وإسقاط الرموز المدينة أو العسكرية أما معنوياً أو فعلياً عبر الاغتيال وبتواطؤ الحكومة نفسها. فحينما رفع نائب رئيس الوزراء السابق عبدالعزيز جباري، في مقابلة مع قناة يمن شباب، صوت الانتقاد الصادق والصريح ضد أخطاء التحالف وانحراف بوصلته، لم يتأخر القرار بعزله من منصبه. ثم حينما صمد رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر في وجه التحرك الاماراتي لاحتلال جزيرة سقطرى، وأشعل معه هبة شعبية جارفة ضدها، لم يتأخر كذلك قرار إقالته ثم إحالته للتحقيق.

أما آخر رجالات هذه الحكومة الهشة، وهما وزير الداخلية أحمد الميسري ووزير النقل صالح الجبواني فقد تركا لوحدهما ليقاتلا 400 مدرعة إماراتية في عدن، فيما لم بصدر عن الرئيس أو نائبه أو حتى رئيس الوزراء أي تعليق على التحرك الإنقلابي.

ولهذا فقد كانت آخر كلمات الميسري قبل أن يودع عدن: “نؤكد على نقطة هامة.. وهي عدم توفيق مؤسسة الرئاسة في الصمت المريب على ما حدث لنا ويحدث في عدن”، كما انتقد صمت “الأشقاء في المملكة العربية السعودية لمدة 4 أيام وشريكنا في التحالف يذبحنا من الوريد إلى الوريد”.

  • ملف العلاقة مع التحالف العربي

لطالما اتسمت العلاقة بين الحكومة الشرعية والتحالف العربي بالتبعية منذ اللحظة الأولى لتشكيل هذا التحالف. هذا الخطأ الكارثي كان سبباً رئيسياً لما تلاه من هزائم وانكسارات. الشراكات والتحالفات البنّاءة لا تكون إلا بالندية، وهو ما افتقرت إليه الشرعية طوال الفترة الماضية. وبالتالي تحولت طبيعة المهمة الرئيسية لهذه الحكومة من فرض السيادة على الأرض وتحرير المدن إلى شرعنة الأخطاء والسياسات الكارثية للتحالف.

وطوال السنوات الماضية شرعنت الحكومة مئات الغارات الجوية للتحالف التي تجاهلت مواقع المليشيات واستهدفت التجمعات السكانية موقعة آلاف القتلى والجرحى. أما جنوباً فالوضع المهترئ ازداد سوءاً. تحركت الإمارات وفرّخت المليشيات على مرأى ومسمع من الجميع، وبدلاً من أن تتحرك على الأرض وتتصدى لكل هذا العبث الكبير بعثت بورقة شكوى إلى قيادة السعودية تطلب فيها وقف التحركات الإماراتية.

وهكذا مرت السنون وتواصل التحرك الإماراتي وتواصلت برقيات الشكوى وتواصل صمت السعودية، حتى حانت لحظة الحسم في عدن.

وكما أطيح بها دون قتال في صنعاء أطيح بها دون قتال في عدن.

ويقول مراقبون أن الشرعية كانت تمتلك خيارات متاحة للضغط على التحالف، فورقة المشروعية بيدها أولاً، ثم إن هناك الكثير من دول العالم الكبرى سيفتح باب الشراكة والتحالف مع هذه الحكومة لو هي بعثت رسائلها إليهم، باعتبار الأهمية الحساسة لليمن في لعبة التوازنات الدولية الحالية، لكنها لم تفعل.

وهنا تبرز الحقيقة الساطعة: الشرعية جنت على نفسها وعلى اليمن كما جنت براقش على أهلها، والسعودية أطلقت على جبينة رصاصة قاتلة بعد أن أسقطت بيديها حائط الصد الوحيد أمام الحوثيين، وباتت الآن مكشوفة من جميع جهاتها الأربع، أما المنتصر في هذه الحرب فهما اثنان لا ثالث لهما: الحوثي والإمارات.

 

  • تورط سعودي في الانقلابين

لم يكن خافياً على أحد بأن السعودية لعبت دوراً رئيسياً في انقلاب الحوثيين على العاصمة صنعاء في 2014م. وهن تبرز شهادة الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي خلال حديث تلفزيوني مع قناة روسيا اليوم قبل أعوام.

يقول عشقي في اللقاء: لا أفشي سراً لو قلت أن إحدى دول التحالف العربي قدّمت الأموال لجماعة الحوثي بغرض القيام بأمر محدد والقضاء على فصيل بعينه، لكن الحوثي خدعنا وأخذ الأموال الطائلة ولم يقم بذلك.

الحديث كان عن رغبة مشتركة سعودية إماراتية للقضاء على التجمع اليمني للإصلاح حينها، لكن الإصلاح أدرك المخطط وانسحب من الصراع، فيما استغل الحثيون ذلك الدعم لتنفيذ انقلاب عسكري ناجح.

غير أن الخطيئة الخليجية السابقة تكررت مجدداً في عدن. وبينما كانت الشكوك تحوم حول السعودية في مدى جديتها في دعم الحكومة الشرعية طوال السنوات الماضية، كشف الإنقلاب الأخير حقيقة الدور السعودي المتآمر ضد وحدة اليمن.

في أول يوم من الاشتباكات بين مليشيات الحزام وألوية الحرس الرئاسي، وتحديداً الخميس الماضي، أجريت اتصالاً هاتفيا بأحد المسئولين البارزين أثناء تواجده في قصر المعاشيق. قال لي بالحرف: الحرب ليست جدية حتى الآن لكن حتى لو تصاعدت حدة الاشتباكات في الساعات القادمة فلن يسيطر الإنتقالي بي شكل من الأشكال على المعاشيق أو أي من معسكرات الجيش إلا في حالة واحدة؛ أن يكون ذلك بضوء أخضر سعودي.

كما تبرز شهادة أحد قادة الجيش المشاركين في حرب الأربعة الأيام بعدن، حيث قال أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اجتمع بالمسؤولين السعوديين وأبلغهم بخطورة الموقف في حينه، مشيرا إلى أن السعودية أرسلت قادة ألوية العمالقة وقادة عسكريين قبل أيام من المعركة للحج بغرض تحييدهم.

وأوضح المصدر العسكري اليمني أن قوات الشرعية سيطرت على زمام المعركة لمدة ثلاثة أيام، مما دفع الإمارات للتدخل ودعم المتمردين بأربعمئة مدرعة، فانقلب سير المعركة.

ولفت المصدر العسكري اليمني إلى أن السعودية وعدت الرئيس هادي بالمساندة والتدخل لوقف أعمال المتمردين، ولكنها لم تفعل، مشيرا إلى أن القوة العسكرية السعودية أسفل قصر الرئاسة في عدن ظلت متفرجة وفق ما طُلب منها.

 

 

 

 

 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق